الأولى

قانون التعبئة العامة… دلالاته وتوقيته

Temps de lecture : 2 minutes

في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة على الصعيد العالمي، ندرك نحن الجزائريون أن بلادنا ليست بمنأى عن هذه المخاطر التي تحيط بنا . غير أن إقرار قانون التعبئة العامة بهذه السرعة و بهذا الزخم و بدون توضيح يطرح علامات استفهام مشروعة:

فهل يعكس هذا القانون رؤية أحادية أم أنه يحمل في طياته أبعاداً متعددة؟

لم تشهد الساحة السياسية الجزائرية عبر تعاقب الحكومات السابقة إصداراً لمثل هذا القانون و بإلحاح مماثل. وكأن القرار ينطوي على إدراك مسبق لخطر داخلي آخذ في التنامي، حيث أصبحت الجبهة الداخلية هشة بسبب عوامل متداخلة: وعود وهمية تكررت دون تنفيذ، و إدراك الانهيار المتدرج لثقة المواطن في مؤسسات دولته.

لطالما أكد التاريخ الجزائري أن هذا الشعب بفطرته وفيٌّ لوطنه، لا يحتاج إلى نصوص قانونية تفرض عليه الدفاع عن سيادته. خلال ثورة التحرير، آمن المجاهدون بأن “إلقاء الثورة في الشارع كفيل بحضن الشعب لها”، فكانت النتيجة كما توقعوا. حتى في أحلك أيام العشرية السوداء، وقف المواطن صفاً واحداً مع الجيش لمواجهة الإرهاب الظلامي، كما تجلت نفس الروح الوطنية خلال الحراك الشعبي عندما استشعر الشعب خطر العهدة الخامسة. كل هذه المواقف جاءت تلقائياً دون حاجة إلى قوانين تفرض على المواطن الانخراط.

أما اليوم، فقد أصبح المواطن يعيش على هامش القرارات الفوقية و القوانين ذات الصبغة الإدارية الصلبة، التي تفقده تدريجياً إحساسه بالانتماء و تُطفئ فيه روح المواطنة، بل صار ينظر إلى الطبقة السياسية عامة و الطبقة الحاكمة بصفة خاصة بعين الريبة والشك، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وغياب تمثيل حقيقي لتطلعاته التي خرج من أجلها في الحراك. هذه الصورة نلمسها بوضوح في الشارع الجزائري داخليا ،و في عودة ظاهرة الحرقة، وفي فضاءات التواصل الاجتماعي حيث يظهر انسحاب المواطن  والنخب على حد سواء.

فهل يمثل هذا القانون محاولة لترميم جسور الثقة بين السلطة والمواطن عبر “النصوص القانونية” بعد أن تهدمت بفعل السياسات الخاطئة؟ أم أنه سيسير في نفس المسار الذي سارت فيه تشريعات أخرى حملت نوايا طيبة لكنها بُنيت على أرضية من فقدان الثقة؟

إشكالية التوقيت وآلية الطرح

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو توقيت طرح هذا القانون وآلية تسويقه. فقد تم تقديمه بحماسة مفرطة، وهو أسلوب قد يكون مجدياً على المدى القصير (قبل الأزمات) لكنه يحمل في طياته مخاطر جمة: فالحماس الزائد إذا استمر أشهراً قد يتحول إلى فتور، ثم إلى رد فعل عكسي يعمق الهوة بين المواطن ومؤسساته، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

كان من الأجدى فتح حوار وطني شامل وصريح، يشارك فيه مختلف الأطراف، مما كان سيمنح المواطن شعوراً بالاطمئنان وبأنه شريك في القرار لا مجرد متلقٍ له. لأن إقصاء النقاش الجاد سيخلق فراغاً ستملؤه الخطابات الشعبوية، كما حدث مراراً، وسيؤدي حتماً إلى نتائج عكسية ستستفيد منها فقط الأطراف التي لا تريد خيراً لهذا البلد.

هيثم قابة

قابة

Recent Posts

«مع تجارة الكابة، يتم تقويض دعائم الدولة!»

Algeriepatriotique: أطلقتم تصريحًا غاضبًا على منصة "إكس" بعد قرار تسوية تجارة "الكابة"، الذي تعتبره السلطات…

أسبوعين ago

نهاية عهد

بقلم: سفيان جيلالي دخلت الجزائر منذ عقد من الزمن المرحلة النهائية من عمر جمهوريتها الأولى.…

3 أسابيع ago

الجزائر: لحظة الاختيار التكنولوجي – من باندونغ إلى الذكاء الاصطناعي، نهاية عدم الانحياز

الجزائر: لحظة الاختيار التكنولوجي – من باندونغ إلى الذكاء الاصطناعي، نهاية عدم الانحياز بقلم: سليم…

1 شهر ago

بيان: التنديد بالفساد يوصلك إلى السجن

بيان التنديد بالفساد يوصلك إلى السجن! يُعلم جيل جديد الرأي العام أن السيدة نهيمة عباد،…

1 شهر ago

أضعنا فرصة العولمة… فهل سننجح في استثمار مرحلة نهاية العولمة؟

شكرًا لك على قبول دعوتنا. أنتم رئيس الحزب السياسي الجزائري "جيل جديد"،  كما أنكم مؤلف…

شهرين ago

تصعيد بين الجزائر وفرنسا : عمليات طرد وتوقيف

هل نحن على أعتاب تصعيد جديد بعد إعلان باريس عن قرار السلطات الجزائرية طرد 12…

3 أشهر ago