الأولى

حبيب براهمية لـ”أفريقيا برس”: الانتخابات الرئاسية عمّقت الفجوة بين السلطة والشعب

Temps de lecture : 4 minutes

أفريقيا برس – الجزائر.

يعتبر الأمين الأول في حزب “جيل جديد” حبيب براهمية أن الانتخابات الجزائرية الأخيرة عمقت الأزمة السياسية، مضيفًا أن الأزمة تعكس فجوة متزايدة بين السلطة والشعب، وتعززت بانخفاض نسبة المشاركة التي تعكس أزمة ثقة في المؤسسات. وفي مقابلة مع “أفريقيا برس”، أشار براهمية إلى أن الانتخابات أظهرت أزمة هيكلية في النظام السياسي، مشددًا على أن الحوار الوطني، رغم كونه خطوة إيجابية، قد يكون مجرد محاولة لتجميل صورة النظام دون إحداث تغييرات جذرية، إذا لم يتسم بالجدية والشفافية.

هل ترون أن السلطة امتصت تداعيات الاستحقاق الرئاسي؟

لا يمكن القول بأن السلطة امتصت تداعيات الانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 سبتمبر 2024، بل على العكس، ما نراه هو تعميق الفجوة بين النظام والشعب. الانتخابات كشفت عن فشل النظام في تحقيق شروط الديمقراطية الحقيقية وتنظيم عملية انتخابية تجعل المواطن يسترجع اهتمامه بالشأن السياسي. نسبة المشاركة المنخفضة لا تعكس فقط أزمة سياسية بل أزمة ثقة عميقة في المؤسسات. فقدان الشرعية تجلى في العزوف الهائل عن التصويت، حيث أن الشعب أصبح يرى في هذه الانتخابات مجرد عملية صورية تهدف إلى تمديد عمر النظام دون تقديم أي حلول للأزمات التي تعيشها البلاد. السلطة لم تستوعب حقيقة هذا الانفصال، بل تواصل التعامل مع الوضع بآلياتها القديمة، متجاهلة الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية تعيد بناء الثقة مع المواطن.

ما هي البدائل التي يطرحها حزبكم للأزمة السياسية؟

نحن في “جيل جديد” نرى أن الأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر لا يمكن حلها بالحلول الترقيعية أو بالإصلاحات السطحية. نطرح مقاربة شاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا، ضرورة إعادة بناء النظام السياسي على أسس الديمقراطية الحقيقية. هذا يتطلب تحرير كامل للحريات الأساسية، مثل حرية التعبير، الصحافة، والتجمع السلمي.

ثانيًا، ينبغي إجراء إصلاح شامل للقوانين التي تحكم العملية الانتخابية. يجب إعادة النظر في قانون الانتخابات لضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، وتشكيل هيئة مستقلة فعليا للإشراف على الانتخابات.

ثالثًا، نرى ضرورة إجراء حوار وطني شامل يضم كل القوى الحية في المجتمع: الأحزاب السياسية، النقابات، الجمعيات، والمجتمع المدني، بهدف الوصول إلى ميثاق وطني جديد يعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته ويضع خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة. دون هذه الخطوات، ستظل الجزائر عالقة في دوامة الأزمات المتتالية.

هل ترون أن الشارع الجزائري مستعد للدخول في مسار آخر؟

الشارع الجزائري أثبت من خلال حراك 22 فبراير 2019 أنه يمتلك وعيًا سياسيًا عميقًا ورغبة صادقة في التغيير. رغم الإحباط الذي تلا ذلك الحراك بسبب عدم تحقيق المطالب الأساسية، إلا أن هذه الرغبة لا تزال قائمة. الشعب الجزائري لا يرفض الديمقراطية أو العملية السياسية بشكل عام، ولكنه يرفض النظام القائم الذي خذله مرات عديدة.

العزوف عن التصويت في الانتخابات الأخيرة ليس تعبيرًا عن استقالة من السياسة، بل هو رسالة قوية للنظام بأن هذا المسار لم يعد يمثلهم. ما ينقص الشارع هو إطار سياسي نزيه وجديد يُمكّن المواطنين من المشاركة الفعالة في صياغة مستقبل بلادهم. في “جيل جديد”، نرى أن الجزائريين مستعدون تماما للدخول في مسار دستوري جديد ولكن ضمن شروط واضحة تتضمن إصلاحات حقيقية تعيد بناء الثقة وتضمن مشاركة حقيقية في اتخاذ القرارات.

ما هو موقفكم من الحوار الوطني المفتوح الذي طرحه الرئيس تبون؟

الحوار الوطني المفتوح هو خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث المبدأ، لكن في ظل الظروف الحالية، تنتابنا شكوك نراها شرعية عن نية النظام لتنظيم حوار حقيقي وغير موجه. التجارب السابقة أثبتت أن مثل هذه المبادرات غالبًا ما تُستخدم كأداة لتجميل صورة النظام دون إحداث تغييرات جوهرية. إذا كان الرئيس تبون جادًا في طرحه، فعليه أن يضمن أن يكون الحوار شاملاً وشفافًا، ويشمل جميع الأطراف السياسية الفاعلة في المجتمع، وإشراك المواطن مباشرة في هذا النقاش عن طريق إعلام مفتوح وغير مقيد، كما يجب أن تكون هناك ضمانات بأن نتائج هذا الحوار ستترجم إلى إجراءات ملموسة، وليست مجرد توصيات توضع على الرفوف. بدون هذه الشروط، سيظل الحوار مفتقدًا للمصداقية، وسيتعامل معه الشارع بنفس الشكوك التي يتعامل بها مع النظام بشكل عام.

هل تملك الجزائر فواعل وفاعلين لإرساء ديمقراطية حقيقية؟

الجزائر تمتلك كفاءات وطنية هائلة قادرة على قيادة عملية التحول الديمقراطي، ولكن هذه الكفاءات ظلت على مر السنين مقصية ومهمشة بفعل سياسات النظام التي تفضل الولاء على الكفاءة. الشباب الجزائري أثبت من خلال الحراك الشعبي قدرته على التنظيم السلمي وطرح مطالب سياسية واضحة. لدينا أيضًا مجتمع مدني قوي، رغم المضايقات، يسعى لإحداث تغيير إيجابي في البلاد. المشكلة الأساسية تكمن في غياب الإطار السياسي الذي يتيح لهذه الطاقات الفرصة للإسهام بفعالية. النظام الحالي يعيق بروز فاعلين سياسيين جدد، ويكرّس منطق الزبانية والمحسوبية. إذا أتيحت الفرصة لهؤلاء الفاعلين للعمل في بيئة سياسية سليمة، فإن الجزائر بلا شك قادرة على إرساء ديمقراطية حقيقية، بعيدة عن ديمقراطية الشعارات ”تستجيب لتطلعات الشعب”.

هل بإمكان مخرجات الانتخابات الرئاسية تقديم الحلول؟

مخرجات الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليست الحل للأزمة السياسية، بل هي جزء من المشكلة. حيث أنها أبانت عن الفج العميق الذي يفصل الحاكم والمحكوم. المشاركة الضعيفة هي دليل واضح على فقدان الثقة في العملية الانتخابية وفي النظام ككل. الحل لن يأتي من تكرار نفس الآليات التي أوصلتنا إلى هذه الأزمة. الحل يكمن في التغيير الجذري لطريقة تعامل منظمة الدولة مع مؤسساتها، من خلال إصلاحات شاملة تضمن مشاركة حقيقية للمواطنين في صنع القرار. النظام الحالي يحاول البقاء في السلطة بأي ثمن، لكن دون معالجة المشكلات الهيكلية التي تعاني منها البلاد، ستظل الأزمات تتفاقم، سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا.

هل غيّر التزوير شكله ومضمونه؟

التزوير في الانتخابات الجزائرية مختلف لحد كبير عما كان عليه سابقا، فهو لم يعد يعتمد على التلاعب المباشر في صناديق الاقتراع كما كان يحدث في الماضي، بل أصبح أكثر تعقيدًا وذكاءً. اليوم، يمكن للنظام التحكم في النتائج من خلال وسائل غير مباشرة، مثل التضييق على أحزاب المعارضة، التحكم في قوائم الناخبين، استخدام الإعلام الموجه لتشكيل الرأي العام، والتلاعب بنسب المشاركة. هذا النوع من التزوير يهدف إلى خلق وهم بالشرعية دون الحاجة إلى اللجوء إلى التزوير الصريح. لكن الشعب الجزائري أصبح أكثر وعيًا ويدرك هذه الأساليب، ولذلك رأينا عزوفًا كبيرًا عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة.

هل يملك حزبكم مقاربة لحل معضلة الاستحقاقات الانتخابية؟

نعم، نحن في “جيل جديد” نملك رؤية واضحة لحل معضلة الاستحقاقات الانتخابية. نؤمن أن الحل يكمن في إعادة بناء النظام الانتخابي من الأساس. أولًا، يجب أن تكون هناك هيئة مستقلة فعلية للإشراف على الانتخابات، بعيدة تمامًا عن تأثير النظام الحاكم. ثانيًا، يجب أن يكون هناك إطار قانوني واضح وشفاف ينظم العملية الانتخابية، يضمن تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين ويمنع أي تدخل من السلطة في سير الانتخابات عن طريق حواجز التوقيعات او الحواجز الأمنية. وأخيرًا، يجب أن يتمكن المواطنون من المشاركة في العملية السياسية بحرية، دون خوف من القمع أو التهميش. هذه هي المبادئ التي نؤمن بأنها يمكن أن تضمن انتخابات حرة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للشعب الجزائري.

Oussama Haddad

Recent Posts

2/2 ما هو دور الأحزاب السياسية في “الجزائر الجديدة”؟

الجزء الثاني: طريق ثالث؟ بقلم : سفيان جيلالي   في ظل النقاشات حول الديمقراطية ودولة…

1 أسبوع ago

1/2 ما دور الأحزاب السياسية في “الجزائر الجديدة”؟

الجزء الأول: أين نحن الآن؟ بقلم سفيان جيلالي للعمل الحزبي التعددي في الجزائر تاريخٌ طويل.…

أسبوعين ago

إجابة جيل جديد على مشروع قانون الأحزاب السياسية ومشروع قانون الجمعيات

إلى السيد الأمين العام لرئاسة الجمهورية ردًا على طلبكم القيم بشأن رأينا في مشروع قانون…

أسبوعين ago

النشرة الاقتصادية للمجلس العلمي لجيل جديد – السداسي الثاني لسنة 2024

صدرت النشرة الاقتصادية للمجلس العلمي لحزب جيل جديد الخاصة بالسداسي الثاني لعام 2024، والتي أعدها…

أسبوعين ago

مساهمة جيل جديد في النقاش الوطني حول مشاريع القوانين المتعلقة بالبلدية والولاية

إلى السيد الأمين العام لرئاسة الجمهورية   الجزائر في 15 جانفي 2025 يؤمن جيل جديد بفضائل…

أسبوعين ago

التأمل الخامس: أي سيادة للجزائر ؟

التأمل الخامس: أي سيادة للجزائر؟ بقلم: سفيان جيلالي "المشكلة المطروحة بشكل جيد هي نصف الحل."…

شهرين ago