الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة
هل سيؤدي منع الجزائريين من تحويل العملات الأجنبية إلى الخارج إلى زيادة مداخيل الخزينة العمومية؟
في يوم 21 نوفمبر، قررت السلطات الحكومية تحديد سقف تحويل العملات الأجنبية المكتسبة من السوق الموازية إلى الخارج عند 7500 يورو أو ما يعادلها سنويًا من العملات الأخرى.
كما يعلم الجميع، فإن السوق السوداء للعملة مزدهرة. العملة الوطنية، التي تتدهور قيمتها باستمرار، يتم تداولها بأسعار تزيد بنسبة 80% عن السعر الرسمي (258 دينارًا مقابل يورو واحد في السوق الموازية مقارنة بـ 140 دينارًا في السوق الرسمية، حسب أسعار اليوم).
إن وجود سوقين للعملة، أحدهما رسمي والآخر غير رسمي، هو نتيجة طبيعية لاقتصاد ريعي غير منتج تديره البيروقراطية.
ورغم الاختلالات التي يعكسها هذا النظام، فقد كان يوفر نوعًا من التوازن، وإن كان هشًا، بين احتياجات السكان والقطاع الاقتصادي من جهة، وضرورة الحفاظ على العملة الصعبة التي تأتي بشكل شبه كامل من صادرات المحروقات، من طرف الدولة من جهة أخرى.
على مدى سنوات طويلة، كان القطاع غير الرسمي يتغذى من تحويلات العمال الجزائريين في الخارج. لكن مع مرور الوقت، بدأت فواتير الاستيراد المبالغ فيها بالتزايد بشكل كبير. كان لا بد من تجاوز العراقيل البيروقراطية والتخلف الذي يطبع القنوات المالية الرسمية بالنسبة لمعظم المتعاملين الاقتصاديين، أو الاستفادة من الامتيازات المفرطة التي يمنحها النظام لفئة الأوليغارشية الصاعدة.
كانت الفكرة هي تعويض الضرائب والرسوم الجمركية، التي تُحتسب على أساس السعر المصرح به، من خلال “إعادة” الفائض الذي يتم دفعه للموردين بالعملة الأجنبية ليعاد بيعه في السوق الموازية.
بهذا الشكل، تشكّلت حلقة مغلقة سمحت للمستوردين بكسب ثقة الموردين عبر الدفع المسبق نقدًا لطلبياتهم، ما يضمن لهم الالتزام بالدفع رغم التغيرات المفاجئة في القوانين التي تحكم التجارة الخارجية في الجزائر.
في الوقت نفسه، أدى تدفق العملات الأجنبية إلى السوق الموازية إلى تمكين أصحاب رؤوس الأموال من الاستثمار في الخارج، سواء عبر شراء العقارات في أوروبا، أو تمويل دراسات الأبناء، أو حتى تنفيذ مشاريع اقتصادية.
القابلية التجارية لتحويل الدينار التي كانت سارية منذ التسعينيات فتحت الباب أمام نزيف رأس المال، وهو ما تفاقم تدريجيًا وهدد باستنزاف الخزينة العمومية بالكامل وإضعاف العملة الوطنية بشكل أكبر.
المشكلة إذن حقيقية. النظام القائم على “الحلول المؤقتة” الذي يديره التجار غير الرسميين (البزناسة)، وتمويل السوق بالسلع من خلال استيراد “حر” قائم على حسابات بالعملة الأجنبية في السوق الموازية، والاحتياجات المتعددة والمشروعة للمسافرين الجزائريين إلى الخارج… أصبحت كلها تحديات كبرى.
فائض الاستيراد، غزو السوق الوطنية بسلع رديئة الجودة لكنها تدر أرباحًا كبيرة، تدهور قيمة الدينار، التضخم، تآكل القدرة الشرائية، وأحيانًا كثيرة التورط في أنشطة غير مشروعة… كلها أعراض واضحة لاقتصاد مريض يعاني من علل مزمنة.
وأمام هذا الوضع، ومع الالتزامات السياسية المعلنة والوعود بمكافحة الأوليغارشية الجشعة، كان لا بد على السلطة أن تقدم علاجًا يُصلح الوضع.
النية هنا لا شك نبيلة. لكن كما يقول المثل: “الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة“.
في الطب، يُحذر بشدة من علاج الأعراض دون معالجة أصل المرض.
للأسف، الحكومة تريد وقف نتائج نظام اقتصادي مختل بينما تواصل في الوقت نفسه دعم هذا النظام. إن محاولة “وقف السعال” دون معالجة العدوى التي تسبب التهاب الشعب الهوائية تؤدي حتمًا إلى خنق المريض.
وفي حالتنا، فإن تحديد سقف لتحويل العملات الأجنبية عند 7500 يورو سنويًا ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني وعلى معنويات المواطنين، الذين سيتحملون العواقب السلبية.
من أولى نتائج هذا الإجراء هو انتقال السوق الموازية تدريجيًا إلى الخارج. ستُشترى العملات الأجنبية مباشرةً خارج البلاد ولن تُسجل في حسابات البنوك الجزائرية. وستتوسع قنوات السوق الموازية إلى خارج الحدود. بدلًا من استعادة قيمة الدينار، سيستمر في الانخفاض، وسيسعى كل جزائري يمتلك رأس مال جاهز لتحويله إلى عملة أجنبية، وتخزينه انتظارًا لفرصة سانحة لإخراجه.
بمعنى آخر، الثقة في السياسة الاقتصادية للدولة الجزائرية، التي هي في حالة متدهورة أصلًا، ستتراجع أكثر. وبدون ثقة، لا يمكن الحديث عن اقتصاد. في أفضل الأحوال، سيتم تخزين الأموال داخل البلاد. وفي أسوأها، ستُهرب عبر وسائل أخرى.
الاستثمار الوطني سيتراجع، سوق العقارات ستنهار، النخب الاقتصادية ستختار الهجرة، سيعاني المواطنون من نقص في السلع… وسيزداد الاستياء العام.
في جوهر المشكلة، تكمن العقلية التي تشكلت بها أفكار القائمين على السلطة. بدلاً من خلق بيئة للثقة، وتشجيع المستثمرين، وتخفيف الأعباء الإدارية، والحد من التدخل المفرط للدولة، وتنظيم السوق عبر آليات شفافة، وهي خطوات كفيلة بإعادة رؤوس الأموال إلى البلاد، فإن الإجراءات الحالية ستؤدي بلا شك إلى عكس ذلك تمامًا.
تعنت السلطة في الاعتقاد بأنها قادرة على إدارة الاقتصاد من مكاتبها وبناءً على أوهام بعيدة عن الواقع سيقود البلاد إلى انهيار محتوم. واليوم الذي لن تكفي فيه عائدات النفط لسد نفقاتنا الضخمة ليس ببعيد. حينها، ستُرفع شعارات المؤامرة، وستُلقى المسؤولية على كباش فداء من داخل النظام نفسه.
الجزائر في 26 نوفمبر 2024
سفيان جيلالي