«مع تجارة الكابة، يتم تقويض دعائم الدولة!»

Temps de lecture : 4 minutes

Algeriepatriotique: أطلقتم تصريحًا غاضبًا على منصة “إكس” بعد قرار تسوية تجارة “الكابة”، الذي تعتبره السلطات انه سيساهم في ضبط الواردات وتأمين السوق. ما الذي يزعجكم في هذا القرار؟

سفيان جيلالي: ما يزعجني ويقلقني في آنٍ واحد هو المعنى الكامن وراء هذه القرارات: نوع من التناقض وانعدام الوضوح والبصيرة. بدلًا من معالجة المشكلة من جذورها وتكييف تشريعاتنا لتنظيم نظام تجاري مضطرب أصلًا، تأتي هذه الإجراءات لتزيد من تفاقم الاختلالات القائمة. منذ عدة أشهر، لا تزيد القرارات المتخذة في هذا المجال إلا من تعقيد الأزمة، بل وتتناقض مع بعضها البعض. أذكّركم أنه في 21 نوفمبر 2024، أي منذ سبعة أشهر فقط، حدّت الحكومة من إمكانية تصدير (واستيراد) العملة الأجنبية المكتسبة من السوق السوداء إلى سقف 7500 يورو سنويًا، تحت شعار محاربة السوق الموازية. على سبيل المثال، كان يُطلب من البنوك رفض تغذية الحسابات بما يتجاوز هذا المبلغ. واليوم، تسمح نفس الحكومة بتصدير ما يعادل 24,000 يورو شهريًا لشراء سلع “الكابة”.

مقابل 5% من قيمة البضاعة المستوردة كحقوق جمركية، سيتمكن “رجال الأعمال” الجدد من تصدير ما يفوق 290,000 يورو سنويًا لكل واحد منهم! وقد تصل القيمة السنوية الإجمالية لهذه التحويلات إلى أرقام خيالية، ربما بمليارات الدولارات! ستكون تبعات هذا المفهوم الغريب للتجارة ثقيلة. أولًا، هو بمثابة دعوة مفتوحة لعدد كبير من الأشخاص كي يتحولوا إلى مستوردين مرتجلين، مما سيتسبب في انفجار الطلب على العملة في السوق الموازية. ثانيًا، سيتسبب ذلك في اضطراب القنوات التجارية الرسمية، في حين أن السياسة التجارية الحالية تفرض قيودًا صارمة على الاستيراد عبر البنوك.

بالتالي، فإن الشركات القانونية، التي تدفع رسومًا جمركية قد تصل إلى 20%، بالإضافة إلى TVA وضرائب الأرباح والتكاليف الاجتماعية، ستُقيد، في حين يتمكن “الترابنديون” من الاستفادة من التجارة القانونية دون أي التزام مالي. وبدلًا من السماح للمهنيين بالتفاوض على منتجات بأسعار المصنع وبكميات كبيرة، مع الاستفادة من النقل البحري منخفض التكلفة، ستغزو الأسواق منتجات رخيصة، معبأة بشكل عشوائي، تُجلب بكميات صغيرة على خطوط جوية، وبدون أي ضمان للجودة.

من جهة أخرى، هذا النوع من التجارة سيُمارَس فقط مع الدول التي يسهل الحصول على تأشيراتها. وبما أن أوروبا أصبحت معقدة جدًا، فإن تركيا ستتحول إلى المركز المحوري. وبما أن التجارة تتم عبر “الكابة”، يمكنكم تخيل حجم تدفق المسافرين إلى هذا الاتجاه. وستُحتاج حينها خطوط جوية مخصصة لنقل البضائع. لقد تخلت الجزائر عن مشروع ميناء الحمدانية لتعوضه بتدفق مكثف لناقلين فرديين بالطائرة! وهكذا، ستُنقل كل العملة الصعبة التي يرسلها الجزائريون من أوروبا إلى بلد ثالث مقابل بضائع سوقية! ويمكنكم تخيل ما سيترتب على ذلك: المتاجرة في تذاكر السفر وكميات “كابة” في عنابر الشحن، فساد بين أعوان الجمارك، وبضائع غير خاضعة للرقابة. تخيلوا المخاطر الأمنية أو الصحية المرتبطة بالهواتف، الأجهزة الإلكترونية، مستحضرات التجميل، الأدوية، إلخ.

إن الحكومة تسعى إلى قتل القطاع الرسمي واستبداله بقطاع التهريب، دون جمركة، دون ضرائب، دون رقابة. هذا لم يحدث في أي مكان آخر في العالم. لم يعد هناك عاقل يمكنه استثمار دينار واحد في البلاد، فما بالك باليورو، إلا في “الترابندو”. إنها دعامة الدولة التي يتم تقويضها.

Algeriepatriotique: حسب رأيكم، فإن الدينار الجزائري مهدد بالانهيار. هل هذه التهديدات ناتجة عن هذه التسوية؟ وإن كان كذلك، فكيف تفسرون ذلك؟

سفيان جيلالي: قيمة العملة ترتبط مباشرة بحالة الاقتصاد. ومن البديهي القول إن الجزائر تعتمد على الريع النفطي، فهو المصدر شبه الوحيد للعملة الصعبة. ومع ذلك، هناك مساهمة غير مهملة من العملة الأجنبية القادمة من التبادلات غير الرسمية مع الجالية الجزائرية بالخارج. وبما أن سعر صرف الدينار الرسمي مرتفع بشكل غير واقعي مقارنة بالواقع الاقتصادي، فإن حاملي العملة الأجنبية يفضلون السوق الموازية التي تمنحهم فائدة تصل إلى 80% تقريبًا. ونظرًا لأن الحكومة الحالية ترغب في الحفاظ على احتياطيات الصرف ولا تستطيع خلق عملة أجنبية خارج المحروقات، فقد حدّت بشكل حاد من الواردات. وقد تسبب ذلك في عنق زجاجة في القنوات التجارية والإنتاجية. ولتغطية هذا النقص، يلجأ المواطنون بالضرورة إلى السوق الموازية. وهذا يؤدي إلى ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، وبالتالي ارتفاع قيمتها مقابل الدينار. وبكلمات أخرى، يفقد الدينار قيمته. فقد انتقلنا خلال بضع سنوات من 210 دينار مقابل 1 يورو إلى 264 دينار اليوم (30 جوان 2025)، أي انخفاض بنسبة 25%! وبعض الخبراء يتحدثون الآن عن 300 دينار مقابل 1 يورو قبل نهاية السنة!

Algeriepatriotique: كان المرسوم الرئاسي قيد الإعداد منذ أسابيع. هل عبرتم عن رأيكم في هذا الموضوع أو ناقشتموه مع السلطات؟

سفيان جيلالي: إطلاقًا. على ما يبدو، الاقتصاد لا يدخل في حسابات الحوار. قال رئيس الجمهورية إن الحوار سيبدأ في نهاية سنة 2025 بعد الشروع في الإصلاحات الاقتصادية. لم يتم التشاور معنا لا بخصوص منع تصدير أكثر من 7500 يورو ثم التراجع عنه لاحقًا، ولا بخصوص 750 يورو “الوهمية” للمسافرين، ولا بخصوص الأسعار الإدارية (مثل القهوة والسيارات…)، ولا بشأن تقنين تجارة الكابة. الحكومة تتصرف كما تشاء، حسب مزاجها.

Algeriepatriotique: في حال حدوث انهيار كما تتوقعون، ما هي العواقب المحتملة على القدرة الشرائية للمواطن؟

سفيان جيلالي: انخفاض قيمة الدينار سيؤدي تلقائيًا إلى تضخم كبير في أسعار جميع المنتجات المستوردة، بل وحتى بعض المنتجات المحلية بفعل الانعكاسات غير المباشرة. تبقى المواد الأساسية التي يتم استيرادها عبر القنوات الرسمية وبسعر الصرف البنكي (140 دينار لليورو الواحد) وتُدعَم في السوق، مثل الطحين والسميد والزيت والسكر والقهوة، في وضع مستقر نسبيًا. لكن ينبغي توقع ارتفاع الأسعار في قطاعات أخرى كثيرة مثل الملابس، الأحذية، البقالة، وقطع الغيار…

Algeriepatriotique: ما الذي تقترحونه لمواجهة ظاهرة “تجارة الكابة” التي أصبحت أمرًا واقعًا ومتناميًا في البلاد؟

سفيان جيلالي: لا يمكن معالجة مسألة “الكابة” دون النظر إلى النظام الاقتصادي والمالي والتجاري برمته. لا بد من العودة إلى منطق السوق، رغم أن التشوهات الحالية عميقة، وستتطلب وقتًا وجهدًا وشجاعة لتجاوزها.

أولًا، يجب السعي إلى توحيد سعر صرف العملة. يمكن تحقيق ذلك خلال ثلاث إلى خمس سنوات. ينبغي البدء بقبول سعر صرف مزدوج، ثم تحرير التجارة للشركات القانونية. على الدولة العمل تدريجيًا على تقليص الفجوة بين السعرين، مع تقديم ضمانات للمستثمرين ضد انخفاض العملة بشكل يضرهم. لا يجب تحميل رأس مال المستثمرين أخطاء التسيير السياسي. من جهة أخرى، يمكن للبنك المركزي، كمثال، بيع العملة الصعبة في السوق أو عبر البنوك المعتمدة بسعر السوق الموازي، لامتصاص الدينار. ووفقًا لحجم الأموال المتاحة، سيشهد السوق ارتياحًا سريعًا. هذه الآليات، إذا طُبقت تدريجيًا، يمكن أن تهيئ البلاد لتحويل العملة نسبيًا بشكل حقيقي.

كذلك، يجب تعديل الرسوم الجمركية. كل المنتجات المستوردة بالعملة الصعبة وبسعر صرف السوق الحقيقي وليس الرسمي، ينبغي أن تستفيد مبدئيًا من تخفيفات معينة لتفادي التضخم المفرط. وبالمثل، يجب أن يُسمح للمصدّرين، بعد دفع الضرائب، بالاحتفاظ بالأرباح الصافية من العملة الأجنبية، إذا كانوا يستخدمونها في استيراد موادهم الأولية بسعر الصرف الحقيقي. وأخيرًا، يجب تفعيل بورصة مالية جدية سواء لتقييم الشركات أو لتبادل العملات. علينا تأطير السوق السوداء التي أصبحت بورصة غير رسمية تقع تحت نوافذ محكمة الجزائر العاصمة!

من الضروري استعادة ثقة المستثمرين ومنحهم حوافز لإعادة ضخ رؤوس أموالهم في الاقتصاد. يجب أن يكون السوق المنظم من طرف الدولة هو من يعيد التوازنات الكبرى. ويلزم اتباع سياسة اقتصادية مدروسة لإعادة النظر في كامل الهيكل الاقتصادي للبلاد.

حاورته: كاهنة بن شيـخ الحسين

قابة

Recent Posts

نهاية عهد

بقلم: سفيان جيلالي دخلت الجزائر منذ عقد من الزمن المرحلة النهائية من عمر جمهوريتها الأولى.…

1 أسبوع ago

الجزائر: لحظة الاختيار التكنولوجي – من باندونغ إلى الذكاء الاصطناعي، نهاية عدم الانحياز

الجزائر: لحظة الاختيار التكنولوجي – من باندونغ إلى الذكاء الاصطناعي، نهاية عدم الانحياز بقلم: سليم…

1 شهر ago

بيان: التنديد بالفساد يوصلك إلى السجن

بيان التنديد بالفساد يوصلك إلى السجن! يُعلم جيل جديد الرأي العام أن السيدة نهيمة عباد،…

1 شهر ago

أضعنا فرصة العولمة… فهل سننجح في استثمار مرحلة نهاية العولمة؟

شكرًا لك على قبول دعوتنا. أنتم رئيس الحزب السياسي الجزائري "جيل جديد"،  كما أنكم مؤلف…

1 شهر ago

تصعيد بين الجزائر وفرنسا : عمليات طرد وتوقيف

هل نحن على أعتاب تصعيد جديد بعد إعلان باريس عن قرار السلطات الجزائرية طرد 12…

3 أشهر ago

توتر العلاقات بين فرنسا والجزائر: تحليل الأسباب وآفاق المستقبل

بعد يومين فقط من الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره…

3 أشهر ago