الأولى

رفض مسيرة فلسطين.. ليس عن فلسطين، بل عن الأحزاب

Temps de lecture : 2 minutes

قرار وزارة الداخلية القاضي برفض الترخيص لمسيرة سلمية تضامنية مع الشعب الفلسطيني، لا يُمكن فصله عن السياق السياسي العام الذي تعيشه البلاد. فالأمر لا يتعلّق فقط بتأويل إداري لنص قانوني، بل يُترجم إرادة ممنهجة لإغلاق الفضاء العام أمام كل أشكال التعبير السياسي المنظم، حتى تلك التي تتقاطع مع ثوابت الدولة ومواقفها الرسمية التاريخية.
صحيح أن قانون 1989 يضمن الحق في التظاهر بإشعار مسبق، وصحيح أن المواد من 15 إلى 20 تُحدد بوضوح الإجراءات اللازمة دون اشتراط الإذن. لكن الإشكال ليس في النصوص، بل في إرادة تجميدها، وتعطيلها، وتحييدها أمام كل تعبير جمعي مستقل لا يصدر عن مركز القرار.
ومع ذلك، لا يمكن اختزال المشكلة في تعسف الإدارة فقط.
ما نعيشه اليوم هو نتيجة لمسار طويل من الانزلاق التدريجي للعمل الحزبي نحو الهامش، والقبول بالصمت، والمساومة على المبادئ مقابل البقاء.
لقد صمتت الأحزاب حين مُنعت من تنظيم اجتماعاتها في قاعات عمومية، وصمتت حين تم خرق الدستور بعدم تقديم بيان السياسة العامة للحكومة، ولم تتحرك حين تم تمديد الدورة التشريعية خارج الآجال الدستورية، ولا حين مُنع مواطن من دخول وطنه، ولا حين اعتُقل النقابيون لمجرد ممارسة الحق في الإضراب.
هذا الصمت السياسي المنهجي لم يكن مجانًا، بل كان الثمن هو فقدان الشرعية الرمزية، والتجذر المجتمعي، والقدرة على فرض الوجود كفاعل سياسي محترم.
فحين تغيب قوة الموقف، تُفرض الإقامة الجبرية داخل “الصالونات”، ويُمنع الفعل السياسي من النزول إلى الشارع، وتُحوّل الأحزاب إلى ديكور باهت لا يُقلق أحدًا.
المسيرة التي طُلب الترخيص لها، كانت فرصة رمزية لإثبات الحد الأدنى من الحيوية السياسية، فرصة لإعادة الوصل بين الأحزاب وقضايا الأمة، بين الالتزام الحزبي والوجدان الشعبي.
لكن الرد جاء قاسيًا، ليس على فلسطين، بل على كل من ما يزال يؤمن بإمكانية الفعل السياسي داخل الأطر الشرعية.
الأخطر من الرفض، هو ردّة الفعل الحزبية الباردة، وكأن الإهانة أصبحت مألوفة، وكأن فقدان الدور بات قدرًا.
إن ما وقع ليس حادثًا معزولًا … بل حلقة أخيرة في مسلسل تجريد العمل السياسي من معناه، وتجفيف منابع الفعل الحزبي الجاد، وتقزيم كل أمل في استعادة التوازن بين الدولة والمجتمع.
والمؤسف أننا أمام مشهد تُطلق فيه الرصاصة الأخيرة على العمل الحزبي، لا بصخب! بل في صمتٍ مدوٍ، وسط لامبالاة حزبية لا تقل خطورة عن تعسف القرار.

بقلم فارس بولحية

قابة

Recent Posts

بيان جيل جديد

بيان جيل جديد يعبر جيل جديد عن انشغاله العميق وإدانته الشديدة لما تتعرض له السيدة…

23 ساعة ago

رسالة إلى الجديديات والجديديين وإلى كل الجزائريات والجزائريين المنشغلين بمستقبل وطنهم

في 11 مارس 2011، خلال أول لقاء جمع مؤسسي حزب جيل جديد، كنت قد وعدتُ…

1 أسبوع ago

الجزائر 2026: الصمود الاقتصادي في مواجهة الواقع

الجزائر 2026: الصمود الاقتصادي في مواجهة الواقع بقلم: زهير رويس نائب رئيس حزب جيل جديد…

أسبوعين ago

بيان: تنديد بالإعتداء الصهيوني على الأراضي القطرية

يدين جيل جديد بأشد العبارات الهجوم الصهيوني الذي استهدف على الأراضي القطرية مسؤولين من حركة…

3 أسابيع ago

قُصَّر في عرض البحر: عار وفشل جماعي

احمد وارد قُصَّر في عرض البحر: عار وفشل جماعي إن الصمت في مثل هذه المأساة…

4 أسابيع ago

أسطول إنساني نحو غزّة: جيل جديد في طليعة التضامن

سيُبحر غدًا، بإذن الله، أسطول إنساني من مدينة تونس متحدّيًا كل العراقيل والتهديدات، في رسالة…

4 أسابيع ago