الأولى

قُصَّر في عرض البحر: عار وفشل جماعي

Temps de lecture : 2 minutes

احمد وارد

قُصَّر في عرض البحر: عار وفشل جماعي

إن الصمت في مثل هذه المأساة سيكون خطيئة أخلاقية لا تُغتفر، بالنسبة لنا كمواطنين وكآباء، أمام هذا الفشل الجماعي. شباب متهورون، لا مبالون، يلقون بأنفسهم في مغامرة خطيرة ويخاطرون بحياتهم بعبور البحر في وهمٍ زائف بالعثور على حياة أفضل في مكان آخر غير بلدهم.

ولا شك أن هذا الحدث، الذي لم يكن الأول ولن يكون الأخير للأسف، يجب أن يدق ناقوس الخطر للجميع، ويدفعنا للتساؤل العاجل وطرح بحدة إشكالية التخلي الاجتماعي وحماية القُصَّر.

أين كانت السلطات المينائية؟ كيف تمكن مراهقون قُصَّر من سرقة قارب، ومغادرة السواحل دون أن يوقفهم أحد، والوصول إلى إيبيزا بكل حرية؟

إنها مسألة على غاية من الخطورة، ويجب أن تهزّ البلاد بأكملها.

فهي تكشف ليس فقط عن هذا الإهمال الصارخ في حماية حياة أطفالنا وحدودنا، بل عن غيابٍ شامل للرقابة.

إنه ليس مجرد حادث عابر، بل هو عار وطني.

عندما يتمكن قُصَّر، بالكاد خرجوا من الطفولة، من خداع «الرقابة» ومواجهة البحر الأبيض المتوسط على متن قارب مسروق، فذلك دليل قاطع على أن السلطات غائبة، وأن خطابها الأمني سرعان ما تكذبه الحقيقة المرة التي تُظهر أن لا الموانئ، ولا الحدود، ولا حتى حياة أطفالنا، محمية.

ومع ذلك، فهؤلاء المراهقون ليسوا هاربين عاديين: إنهم ضحايا بلد خانهم.

نظام تعليمي منهار، بطالة خانقة، وغياب تام للآفاق، كل ذلك دفعهم نحو البحر.

كل قارب يُبحر هو صرخة اتهام ضد سلطة تركت شبابها بلا مستقبل.

لكن الدولة ليست وحدها المسؤولة؛ فهي لا يمكن أن تحل محل الآباء. إن مسؤولية تربية الأبناء تقع كاملة على عاتق الأهل.

فأين كانوا حين كان أبناؤهم يُحضّرون لهذه الرحلة الانتحارية؟

كيف يمكن تفسير صمت عائلات تسمح، بل وتغض الطرف أحياناً، عن إلقاء أبنائها القُصَّر في غمار الموت وسط البحر؟

إن السلطة الأبوية ليست تفصيلاً، بل واجب مقدس. والتخلي عنها يجعل الآباء شركاء في هذه المأساة الجماعية.

ما حدث ليس «مغامرة»، بل فضيحة. فضيحة تكشف عن مجتمع مكسور: سلطة عاجزة، مؤسسات غائبة، وعائلات متخلية عن دورها.

حين يتمكن مراهق من عبور المتوسط خلسة والوصول إلى إيبيزا، فليس «شجاعته» ما يجب أن نحتفي به، بل الفشل المدوي لمجتمع توقف عن الوجود وتوقف عن حماية أبنائه.

وطالما أن السلطات العمومية والآباء لا يتحملون مسؤولياتهم، وتستمر العائلات في إغماض أعينها، فإن أبناءنا سيواصلون الموت غرقاً أو ينتهون في السجون أو في مراكز الاحتجاز.

كل عملية هجرة سرية ستكون تذكرة صارخة بانحدارنا الجماعي

Ahmed Ouared

Recent Posts

أسطول إنساني نحو غزّة: جيل جديد في طليعة التضامن

سيُبحر غدًا، بإذن الله، أسطول إنساني من مدينة تونس متحدّيًا كل العراقيل والتهديدات، في رسالة…

3 أيام ago

الجالية الجزائرية: ساعة الحقيقة… ولمن؟

الجالية الجزائرية: ساعة الحقيقة… ولمن؟ بقلم: زهير رويّسنائب رئيس حزب جيل جديد المقال الافتتاحي لجريدة…

6 أيام ago

À CHAQUE PÉNURIE LA FUITE EN AVANT : LE RECOURS À L’IMPORTATION.

À CHAQUE PÉNURIE LA FUITE EN AVANT : LE RECOURS À L’IMPORTATION. L’Algérie fait face…

7 أيام ago

عند كل أزمة نقص، الهروب إلى الأمام: اللجوء إلى الاستيراد

عند كل أزمة نقص، الهروب إلى الأمام: اللجوء إلى الاستيراد تواجه الجزائر مفارقة اقتصادية متكررة:…

1 أسبوع ago

الرقابة الثلاثية على الواردات: حماية أم خنق؟

الرقابة الثلاثية على الواردات: حماية أم خنق؟ في الجزائر، يشبه استيراد السلع والخدمات مساراً شاقاً…

1 أسبوع ago

تحفيز الاقتصاد عبر السياسة النقدية؟ الرهان الخطير لبنك الجزائر

تحفيز الاقتصاد عبر السياسة النقدية؟ الرهان الخطير لبنك الجزائر أعلن بنك الجزائر مؤخراً عن خفض…

1 أسبوع ago