الأولى

بين المقاطعة والمشاركة: دروس ما بعد الحراك

Temps de lecture : 2 minutes

يشكّل الإعلان الأخير الصادر عن عدة تشكيلات سياسية بشأن مشاركتها في الانتخابات التشريعية المقبلة منعطفًا مهمًا في المشهد السياسي الجزائري ما بعد الحراك. فهذه الأحزاب، التي كانت قد اختارت المقاطعة خلال الاستحقاقات الانتخابية التي نُظّمت بعد سنة 2019، تعود اليوم إلى الساحة الانتخابية. وهذا التحوّل يستدعي قراءة سياسية واعية، هادئة وضرورية، بعيدًا عن الانفعال.

لقد أرادت مقاطعة انتخابات 2021 أن تكون فعلًا سياسيًا قويًا، هدفه الإبقاء على الضغط على السلطة ورفض أي شكل من أشكال التطبيع السياسي في سياق اتّسم بانعدام عميق للثقة الشعبية. غير أنّه، وبعد مرور الوقت، يتبيّن بوضوح أنّ هذه الاستراتيجية لم تُحقّق النتائج المرجوّة منها، إذ لم تُمكّن لا من فرض إعادة تأسيس للمنظومة الانتخابية، ولا من ترجمة المطالب التي رفعها الحراك إلى مكاسب مؤسساتية.

في المقابل، كانت كلفة هذه المقاطعة على الأحزاب التي تبنّتها حقيقية وملموسة. فببقائها خارج المؤسسات لفترة طويلة، فقدت هذه التشكيلات تدريجيًا حضورها، ونفوذها، ومواردها، وقدرتها على التنظيم. لقد كان للغياب ثمن سياسي باهظ.

ويأتي هذا الرجوع إلى خيار المشاركة في سياق قانوني يزداد تضييقًا. إذ ينص قانون الأحزاب على عقوبات قد تصل إلى الحلّ بالنسبة للتشكيلات التي تمتنع عن المشاركة في عدة مواعيد انتخابية متتالية. كما أنّ مشروع مراجعة هذا القانون، الذي تم تداوله خلال السنة الجارية، يقترح تقليص هذا السقف أكثر. وفي هذا الإطار، تبدو المشاركة بالنسبة لبعض الأحزاب أقلّ تعبيرًا عن خيار سياسي واستراتيجي واعٍ، وأكثر ضرورة سياسية لضمان بقائها القانوني والتنظيمي.

ويعكس هذا التطور أيضًا إعادة تقييم ضمنية لموازين القوى. فالمقاطعة، على الرغم من مشروعيتها في نواياها الأولى، لم تُفلح في خلق رافعة سياسية مستدامة، ولم تؤدِّ إلى إعادة تشكيل الحقل المؤسساتي، بل تركت المجال مفتوحًا أمام إعادة إنتاج شبه كاملة للتوازنات السابقة. وقد ساهم غياب القوى المنبثقة من الحراك في المؤسسات، في تهميش التطلعات التي حملها.

في ضوء هذه التجربة، يستحقّ الخيار الذي اتّخذه حزب جيل جديد سنة 2021 أن يُعاد النظر فيه اليوم. ففي موقف مخالف للسائد آنذاك، راهن الحزب على المشاركة، لا من باب القبول بالمسار القائم، بل انطلاقًا من قناعة مفادها أنّ الغياب عن المؤسسات لا يمكن أن يكون استراتيجية دائمة. وقد دافع جيل جديد في ذلك الوقت عن فكرة أنّ القوى السياسية المنبثقة عن الحراك، إذا كانت حاضرة داخل المؤسسات، وحدها القادرة على محاولة تحويل شعارات الشارع إلى مقترحات ملموسة، وعمل تشريعي، وفعل سياسي منظم.

وقد تعرّض هذا الخيار آنذاك لانتقادات حادّة، خاصة من أنصار المقاطعة، كما ساهم مناخ نزع الشرعية في التأثير سلبًا على النتائج الانتخابية للحزب. أمّا اليوم، فإن عودة أولئك الذين انتقدوا هذه الاستراتيجية إلى خيار المشاركة، تميل إلى تأكيد—ولو جزئيًا—وجاهة هذا التحليل: فالغياب المؤسساتي لم يُقوِّ المعارضة الديمقراطية، بل أضعفها.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ تفسير هذه المشاركة المعلنة على أنّها مؤشر على استعادة الثقة في المسار السياسي. فالمشاركة الانتخابية في سياق ما بعد الحراك لا تعني لا تطبيعًا للمشهد السياسي، ولا قبولًا بقواعد اللعبة القائمة. بل يمكن أن تكون أيضًا فعلًا سياسيًا نقديًا، مشروطًا، يهدف إلى إعادة فتح فضاءات الصراع الديمقراطي.

وفي هذا الإطار، أعلن حزب جيل جديد، في ختام أشغال مجلسه الوطني المنعقد بتاريخ 19 ديسمبر 2025، مشاركته المبدئية في الانتخابات التشريعية المقبلة، مع الدعوة إلى اتخاذ إجراءات مسبقة لتهدئة المناخ السياسي. ويُعدّ الفتح الحقيقي للفضاءات السياسية والإعلامية، وضمان الحريات العامة والفردية، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي، وتأمين مسار انتخابي نزيه وشفاف وذي مصداقية، شروطًا أساسية لأي ديناميكية مشاركة شعبية.

ويستلزم ذلك، على وجه الخصوص، فتح ملف مراجعة القانون الانتخابي، وإجراء إصلاح عميق لصلاحيات وتركيبة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، بما يضمن استقلاليتها الفعلية وحيادها التام.

إنّ الرهان اليوم يتجاوز مجرّد ثنائية المشاركة أو المقاطعة. فهو يتمثّل في قدرة قوى المعارضة الديمقراطية على استخلاص دروس الماضي، والعمل بشكل منسّق، والدفاع عن مطالب مشتركة لإعادة المعنى السياسي للفعل الانتخابي. ومن دون ذلك، سيظلّ العزوف الشعبي التعبير الأبرز عن فقدان ثقة عميق ومستدام.

زهير رويس

نائب رئيس جيل جديد

قابة

Recent Posts

الهيئات الرسمية للحزب

🔹خلال الدورة العادية 29 للمجلس الوطني، وباقتراح من رئيس جيل جديد الدكتور لخضر أمقران، تمت…

يومين ago

بيان المجلس الوطني ل” جيل جديد “

بيان المجلس الوطني ل" جيل جديد " الدورة العادية التاسعة والعشرون للمجلس الوطني لحزب جيل…

3 أيام ago

يجب الدفاع عن الجزائر كدولة واحدة وغير قابلة للتجزئة

في حوار مع ميديا ناو بلوس الناطقة بالفرنسية، يدين نائب رئيس حزب جيل جديد في…

1 أسبوع ago

بيان حول محاولات المساس بالوحدة الوطنية الجزائرية

إن ما يُسمّى بـ«إعلان استقلال منطقة القبائل» من طرف حركة الماك (MAK)، والذي تم على…

1 أسبوع ago

رسالة شكر للمؤتمرين

رسالة شكر للمؤتمرين بسم الله الرحمن الرحيم، السيدات والسادة، الإخوة والأخوات مناضلي ومناضلات حزب جيل…

أسبوعين ago

خطاب المترشح لرئاسة حزب جيل جديد، الدكتور لخضر أمقران

  المؤتمر الاستثنائي يوم 6 ديسمبر 2025 بزرالدة. خطاب المترشح لرئاسة حزب جيل جديد، الدكتور…

أسبوعين ago