أعاد تحسن الوضع الصحي المرتبط بجائحة كورونا في الجزائر إلى الواجهة، المجهودات الكبيرة التي قدمها الأطباء خلال سنة كاملة من العمل المتواصل داخل المستشفيات في مكافحة الوباء.
وقبل أيام تم تكريم عائلات أفراد الفرق الطبية التابعة للقطاعين العمومي والخاص، الذين فقدتهم الجزائر خلال السنة الماضية وهم في ميدان معركة مكافحة وباء كورونا، بحضور وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد الذي أشاد بمجهودات “الجيش الأبيض” في هذه المرحلة.
وقد تسبب وباء “كوفيد 19” بالجزائر في وفاة 168 طبيبا من مختلف التخصصات، نسبة 60 بالمائة من بينهم ممارسون بالقطاع الخاص، فيما تعرض أكثر من 13 ألفا آخرين إلى الإصابة بالمرض.
ومنذ أول إصابة بكورونا سجلتها الجزائر في 17 فبراير 2020، بدأ كفاح أصحاب المآزر البيضاء في القطاع الخاص والعمومي من أجل كبح انتشار الفيروس، فلبسوا زيهم الطبي وشمروا عن أيديهم استعدادا لاستقبال المرضى.
ومع مرور الوقت، أظهر منتسبو القطاع الصحي رباطة جأش قوية، وتناقلوا صورهم عبر منصات التواصل الاجتماعي داخل المصحات والمستشفيات وهم في الخطوط الأمامية يحاربون بعزيمة فولاذية عدوا خفيا لم يكن يرحم أحدا.
بداية القصة
يروي الدكتور لخضر أمقران الذي يعمل طبيبا منسقا بالقطاع الصحي بالقصبة، التابع للمؤسسة العمومية للصحة الجوارية لباب الواد بالجزائر العاصمة، لموقع “سكاي نيوز عربية”، تجربته الشخصية في مكافحة كورونا، حيث عاد بتأثر إلى بداية المهمة العام الماضي، مع الإصابات الأولى بالفيروس التاجي.
ويقول أمقران: “في البداية كان الأمر صعبا. كان تخوفنا منطقيا بالنظر لأن الفيروس مجهول والبحوث العلمية حوله قليلة”.
ويتنهد ثم يحاول العودة بالذاكرة إلى الأيام الأولى في “معركة” التغلب على “كوفيد 19”: “حضرنا أنفسنا (للتعامل مع المرض)، وحاولنا، نحن الأطباء الذين لدينا تجربة طويلة في المستشفيات تمتد لأكثر من عقدين، تقديم خبرتنا للأطباء الشباب الذين كانوا يعملون معنا”.
ويؤكد الطبيب صاحب الخبرة أنه “في سبيل أداء مهمته النبيلة لم يلتق عائلته لمدة 5 أشهر ظل فيها غائبا عن بيته”، لأنه كان يؤدي واجبه المهني مع زملائه، رغم أن عدوى الفيروس بدأت تنتقل للكثير من منتسبي القطاع الصحي، ومنهم من توفي في عز عطائه.
ويبرز أمقران أن “المواجهة في البداية كانت على جبهتين، الأولى علاج المرضى والثانية توعية المواطنين غير المصابين بخطورة الوباء”.
أول مريض
كانت أول حالة لمريض حامل لفيروس كورونا تعامل معها أمقران، تعود لرجل مسن، حسبما يقول الطبيب وهو متأثر: “أتذكر ذلك اليوم الذي قدم فيه إلينا شيخ. جيء به مصابا بـ(كوفيد 19) على كرسي متحرك وهو يعاني عدة أمراض مزمنة”، ويضيف: “توفي فيما بعد. لقد كانت أول حالة تعاملنا معها. ورغم العلاج كان الفيروس قويا وتغلب عليه”.
وفي هذا الصدد، أشار الطبيب إلى أنه “مع الإمكانات المتاحة واللوازم الطبية المستغلة لمكافحة الوباء، عملنا في المصحة على تحويل كل من يحمل أعراض كورونا إلى القسم المخصص لذلك من أجل العلاج والتأكد من الحالات الإيجابية”، ويضيف أمقران أنه “تم الشروع في علاج المرضى وشُفي الكثيرون منهم”.
مرحلة التعايش
ويعتبر أطباء كثيرون في الجزائر أنهم وصلوا خلال هذه السنة إلى معرفة كيفية التأقلم والتعايش مع وباء كورونا، مشيرين إلى أن “العمل الذي قامت به الكوادر الطبية خلال سنة كاملة في أنحاء البلاد كان جبارا”.
ويرى أمقران أن “الحالة الوبائية المستقرة التي تعرفها البلاد تعود إلى عوامل عدة، من بينها مجهودات الفرق الطبية التي لا تزال لحد اللحظة تقوم بدورها على أكمل وجه، من دون إغفال دور الحجر الصحي وغلق الحدود”.
ودعا الرجل الجزائريين إلى مساعدة الأطباء في هذه المعركة المستمرة، مشددا في السياق ذاته على أن “هذه المساعدة تكون بالالتزام المستمر بالإجراءات الوقائية والتطعيم، وما على منتسبي الصحة إلا مرافقتهم طبيا وتقنيا حتى المرحلة الأخيرة من التغلب على وباء كورونا”.
استقرار الوضع الصحي
وتحدث لموقع “سكاي نيوز عربية” رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية في الجزائر الدكتور إلياس مرابط، مؤكدا أن العمل الذي يقوم به السلك الطبي “واجب مهني”.
واعتبر مرابط أن خسائر القطاع الطبي بوفاة عدد من منتسبيه من جراء إصابتهم بالوباء، بمثابة “الفاتورة” التي سددها القطاع في سبيل استقرار الوضع الوبائي في الجزائر.
ودعا رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلى “التكفل بالوضع الاجتماعي والمهني للمشتغلين في القطاع الصحي، خاصة بعد التحسن الملحوظ للوضعية الوبائية في البلاد”، وأضاف مرابط: “في البداية أجلنا كل الملفات العالقة لأن الأولوية كانت في مكافحة وباء كورونا”.
تجدر الإشارة إلى أن الجزائر عملت منذ بداية الوباء على ضمان حماية عمال القطاع الصحي، من خلال توفير كل وسائل الوقاية من الوباء لتجنب انتشار العدوى، كما منحت الأولوية في تلقي لقاح كورونا لعمال قطاع الصحة باعتبارهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس.