خطاب السيد سفيان جيلالي، رئيس جيل جديد، بمناسبة الندوة الوطنية من أجل الحريات و الإنتقال الديقراطي

Temps de lecture : 4 minutes

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيدات الفضليات – السادة الأفاضل
السلام عليكم ورحمته وبركاته.

إنه يوم مبارك بامتياز سيسجله التاريخ لا محالة، يوم التقت فيه ثلة من رجال ونساء يمثلون الوعي الوطني الحق. التقوا، تحدثوا، تناقشوا، استمع بعضهم للبعض الآخر، أمنيتهم وضع اليد في اليد لبناء مستقبل البلد.
من هذا الموقع ومن هذا المكان، ربما من واجبنا التنويه والتقدير والشكر للحكام الحاليين اللذين من خلال إنتهاكاتهم المتتالية لقواعد الممارسة السياسية والأخلاقية في تسيير شؤون الأمة حفزوا المعارضة بكل أطيافها على تجاوز اختلافاتها الموضوعية واختلافاتها الذاتية ودفعها لرد فعل سليم.
اليوم، وحتى لا نفسد هذا الحفل التاريخي دعونا نضع جانبا النظام و إخفاقـــاته وسلبيــــاته وانتهــــاكــــاته المتعددة.
مستقبل بلدنا والتحديات الواجب رفعها أكبر من النظام.
الجزائر بحق بلد عظيم يحق لنا الإفتخار به دون أن نخشى الآخرين ولا العالم. بالتأكيد بسبب سيـــاســـات غير مسئولة استمرت لعهـــود طويلة جزء كبير من سيــــادتنا سُلب منّا. بالرغم من ذلك كله باستطـــاعتنا الخروج إلى بر الأمان . في بضع سنوات فقط ، يمكننا بناء دولة قــــانون تحرّر فيها الطـــاقـــــات وتضاعف فيها الثروات وتسود فيها العدالة الاجتماعية.
بطبيعة الحال، يجب علينا في الأول العمل على إزالة أسباب التوترات المختلفة لإستتبــــاب النظام والأمن، وإعادة الجدية في العمل. سنعمل على تحفيز النفوس ونشر الأمل والتفاؤل تكون فيها الأفعال سابقة للأقوال.
الجزائر في حاجة إلى تغييّر في الأجيال. بالطبع العبور من مرحلة إلى مرحلة أمر حتمي يتطلب تحصين المكـــاسب وتجاربها مع ابتكار أساليب عمل وآليات جديدة في طريقة تفكير ومناهج عمل.
الجزائر ملكنا جميعا. إذا لنتفق مهما كانت خلافــــاتنا على كلمة حق. لنتفق على الأمل المشروع – على الإيمان بجزائر قوية مزدهرة مطمئنة – لنتفق على حلم جماعي ممكن مقبول وموحد.

سيداتـــي الفضليــات سادتـــي الأفاضل
حسب التعبيرالشعبي المتداول: الحكامة هي التنبؤ. لكن أي تنبؤ و بماذا؟
تسيير شؤون أمة يقتضي تحديد مشروع هي بحاجة إليه. هذا العمل يتطلب حس مدني رفيع المستوى إلى جانب وجود نخبة ملتزمة نحو شعبها. فالمشروع المجتمعي لا ينحصر في تأملات فكرية أو تعبير عن رؤية مصنوعة من مواد مستوردة. إن المشروع المجتمعي الأصيل يجب أن يكون تعبيرا عن القدرات الذاتية للأمة. الشعب الجزائري له من المؤهلات و الكفاءات ما يسمح له بتفعيل التغيير. للوصول إلى ذلك لابد من هَبَة شعبية نابعة من عمق الوعي المجتمعاتي لتحمل ديناميكية حضارية. للأسف، في المرحلة الراهنة، الثغرات المتواجدة في جهازه الثقافي تعيق ذلك لأن المنظومة التربوية والعائلية أهملت بعض هذه القيم الأساسية والتي تعرقل تنفيذ مثل هذا المشروع المجتمعي إن لم نقل أنها دمرّته بفعل السياسة المنتهجة الفاقدة للبعد النظري.
الحرية الفردية، الفكرية، و حرية الضمير يجب أن تكون مكرسة في النصوص الأساسية لأنها مؤسسة للديمقراطية كنظام يسير المجتمع، لاسيما وأن ذاكرتنا الأمازيغية جد متمسكة بها. الجزائريون نضجوا في علاقتهم بوطنهم. وعي جديد بدأ يتشكّل لديهم. شعورهم بالانتماء إلى العالم المغاربي أصبح قائم. من جهــــتـــها، المرأة الجزائرية انتزعت مكانتها في الفضاء العمومي وكما الإسلام أصبح عنصرا روحيا يعزز أواصر التضامن والتماسك الاجتماعي.
سيداتـــي الفضليــات سادتـــي الأفاضل
الشعب الجزائري أصبح أكثر ثباتا من حيث الأبعاد وأكثر ثقة في نفسه. على ضوء هذه المعطيات، وجب على مجتمعنا التجدد. نحن في حاجة لمزيد من العدالة والمساواة والإحترام فيما بيننا كمواطنين، بين الأقوياء والضعفاء، بين الرجال والنساء، لكن أيضا بين الحاكم والمحكوم. على الجزائريين أن يشعروا بأنهم مواطنون شركاء في ملكية بلدهم وليسوا مجرد عبيد تسلب منهم ارادتهم و طموحاتهم المشروعة من طرف نظام استبدادي فاسد.
في ظل الحرية السياسية التي نحن على وشك الظَفْرِ بها، علينا أن نعْكِف بجدية لبناء دولة القانون، التي تعد حَجَرَ الزاوية في المشروع الذي نسعى لإنجازه و المتمثل في الديمقراطية و خلق السلطات المضادة.
قال الله تعالى “و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”.
فمهما كانت عيوب رجالات السياسة، وعيوب الأحزاب السياسية، إلا أن وجودَهم ضروري لتطور المجتمع وحيويته. من بين الدواعي التي ينبغي أن تُقنِع المواطنين بفوائد الفعل السياسي: تحسين صورة السياسة كأداة في خدمة الأمة، وخلق الشعور بالواجب إزاء الصالح العام، وتنظيم النقاش الفكري وإقامة قواعد التنافس الشريف والشفاف، وأخيراً إقامة مؤسسات حقيقية. ذاك هو المسلك الواجب اتباعه.

الصحافة مطالبة بأن تتمتع بالحرية و الروح النقدية و الأحزاب السياسية مطالبة بأن تكون حية، والنخبة مسؤولة، والمجتمع المدني نشط والنقابات المهنية فعالة.
نحن في أمس الحاجة لروح المواطنة والنظام والأمن و السلطة وللتنظيم والحضور الفعلي للدولة للتكفل الجاد باحتياجات مجتمع هو بحاجة إلى حياة عامة منظمة، بسيطة وهادئة تطبعها الأخلاق، التي يجب أن تكون هدفا يتوافق عليه الجميع.
ففي مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم المملوء بالمخاطر والأزمات، لا يجب أن نعتقد أننا في مأمن من تداعياتها. فالأزمات الإقتصادية والمالية والنقدية التي تعصف بجميع دول العالم، قد تترتب عنها مخاطر كارثية. للأسف الشديد، بلدنا الجزائر لم تحضر نفسها بعد ولم تفكر حتى في مواجهة مثل هذه المخاطر. ولهذه الأسباب، وجب علينا على الفور تحسيس المواطن وتوعيته بتلك الأخطار، كما يجب أخذ جميع التدابير لتأمين الثروات الطبيعية،وتبني أساليب جديدة مؤسسة على العمل الإستشرافي لإستباق الأحداث من خلال الإعتماد على الإرادة الوطنية القوية .

يجب علينا من اللآن الشروع في تغيير نمط تفكيرنا الخاضع لتوزيع الريع، والدخول في مرحلة جديدة تعطى فيها الأولوية للإنتاج والإبداع والتبادل المتوازن.
إقتصادياً، لا تزال الجزائر تبحث عن طريقها. أظهرت الحكومات المتتالية عجزها عن وضع برنامج اقتصادي كفيل بترتيب بيت الجزائر لأنها لا تستغل لا الذكاء ولا سعة الخيال.
النهاية المتوقعة لإنتاج المحروقات، والعجز الهيكلي في الإنتاج الزراعي والإفلاس الصناعي وتدهور قطاع الخدمات بقيت كلها دون حلول. إلى جانب ذلك يضاف العامل الديموغرافي والاجتماعي والثقافي، وهي عوامل مجتمعة تعيق أي إرادة في التنمية. ولكن الطامة الكبرى هو سرطان الفساد الذي أصبح ينخر جسد الأمة ويهدّد بفنائها.

سيداتـــي الفضليــات سادتـــي الأفاضل
إن العالم اليوم يمر بمرحلة اضطرابات عسيرة، معقدة وصعبة تشكل خطرا على بلدنا. دول الجوار تعاني من صعوبات تزعزع استقرارها ورؤيتنا السلبية والساذجة لا يمكن أن تشكل وقاية لنا من الإرتدادات المختلفة ومن الأزمات المحتملة. من واجبنا إذا أن نمد يدنا لهذه الدول لتمكينها من إعادة بناء قدراتها لأن أمننا الداخلي مرهون بأمن حدودنا الخارجية.
من واجبنا كذلك التعريف بمصالحنا والدفاع عنها إزاء جميع شركائنا . ما هو واضح للعيان اليوم أن السياسة المتبعة من طرف النظام هي سياسة خجولة وذليلة، أثرت سلبا على مصداقية الدولة. القوى الكبرى لها مصالح تدافع عليها، فمن مصلحتنا أن تكون لدينا القدرة والجدية والمسؤولية في تعلملنا معها. بلدنا مطالب بأن يكون عاملا أساسيا في إرساء السلام والإستقرار، و حينما يتطلب الأمر، وسيطا فعالا في المنطقة وليس بلدا مدافعا عن مصالح الدول القوية مقابل ضمان الدعم بالبقاء في الحكم حتى ولو كان ضد مصالح الشعب.
وفي هذا الصدد وعلى المدى البعيد، يجب علينا إعادة تقييم مفهوم التنمية والتفكير في الأشكال والأنماط التي يحتمل أن تتخذها الحضارة الإنسانية “الجديدة” التي هي في طور التكوين (الطاقات المتجددة- وسائل النقل- تهيئة الإقليم- الزراعة – الخ…).
مثل ما جرى في 1954، يجب مخاطبة الشعب واطلاّعه على شؤونه وإعداده لمواجهة الواقع الصعب. هذا يتطلب إرادة جماعية قوية متحكمة في نفسها ، متجاوزة تخوفــــاتها و تناقضــــــاتها.
الاَن، يتعين على النخب أن تتماشى مع تطلعات الشعب. بات من الضروري أن يكون لدينا طبقة سياسية جديدة، و نظام سياسي جديد ، و أن نشرع في حركة تواكب عالم ما بعد الحداثة الذي يلوح في الأفق.
و لابد لرجال السياسة أن يجددوا عقدهم المعنوي مع الشعب ، على أن يكون هذا العقد مبنيا على الشرعية و الثقــــــة.

شكرا على حسن الإصغاء
والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته

الجزائر في 10 جوان 2014
سفيان جيلالي