مدرسة رهينة للأيديولوجيات

مدرسة رهينة للأيديولوجيات

Temps de lecture : 3 minutes

تدخُّل الأيديولوجيا، قاد المدرسة الجزائرية إلى طريق مسدود فكريا و إلى إخفاقات في التعايش و التسامح“.

المدرسة هي المكان و بامتياز، لتأهيل و تكوين الفرد، إنتاج الأفكار ، و تقوية و تجديد الذكاء.

لسوء الحظ ، فإن هيمنة الخطابات الأيديولوجية التسلُّطية اليوم، داخل مجتمع لديه مع ذلك رواسب التعددية وتطلعات التحرر، تجعل المدرسة الجزائرية تفقد رسالتها الأساسية المتمثلة في ترسيخ العقلانية، الحداثة، كذلك تقبل الآخر و حرية المعتقد. اليوم يراد كبت الفكر و الذكاء!

فشل المدرسة الجزائرية معروف لدى الجميع، لكن أسباب هذا الفشل متعددة ومعقدة، لأنها مرتبطة ببعضها البعض، و غالبًا ما تكون غير واضحة، لأنها مخفية وراء خطابات النصر للبعض و البعض الآخر.

أدَّى إقحام الأيديولوجيا في المدرسة الجزائرية، إلى مآزق فكرية وإخفاقات في التعايش و التسامح، و هكذا كان منظِّرو الفكر الأحادي و المتطابق و لا يزالون، مصدر سلسلة من التصورات المشوَّهة حول مفاهيم جوهرية مثل: التاريخ، والأمة، والإيمان، والتقليد، والحداثة .

والنتيجة، أن الأطفال الجزائريين أصبح لديهم فكرة ضيقة عن الأمة، معرفة متقطعة عن تاريخهم، و أكثر من ذلك، فقد أصبح الانفتاح على الآخرين رؤية مذنبة و محظورة بالنسبة لأطفالنا. ذلك ما يؤدي إلى ظهور سلوكيات أفراد تجهل البعد العالمي للحقائق، و تعبَّر في أغلب الأحيان عن عدم التسامح.

روح النقد عند أطفالنا تم تصويره كعمل من أعمال التمرد على سلطة النظام، و النتائج السلبية لذلك قد ظهرت في الشوارع، المساجد و كذلك النقاشات السياسية حيث يتم الخلط بين الأيديولوجيا و العرق، بين اللغة و الدين، بين السياسة و خطب الوعظ الديني… يمكنك بسهولة أن ترى الخراب الناجم عن حبس الذكاء وتقييد الضمائر. كارثة…

عندما نعلم أن بلدنا متعدد اللغات تاريخيًا، ثقافيًا و نفسيًا، فإن “أدلجت المدرسة” تعتبرها مع ذلك بمثابة “عاهة” بدلاً من رؤيتها على أنها حقيقة، يجب أخذها بعين الاعتبار، بمثابة ثراء ثقافي و إنساني يجب تكريمه.

اليوم و بعد 58 عامًا من الاستقلال، يبدو أن النظام الجزائري الذي ولد من العنف عام 1962 (من بن بلة إلى بوتفليقة)، قد اختار “الجاكوبينية” الموروثة من النظام الفرنسي، و الإقصاء الموروث من القومية العربية. لقد نسي ربما أن المواطنين الجزائريين (مثل جميع مواطني العالم)، لديهم حقوق ستظهر، و سينتهي بها المطاف في وقت آخر إلى أن تكرَّس و يثبت وجودها، و أن الوقت قد حان للاعتراف بالشعب الجزائري. شعب يراد اقتلاع و سلب هويته الأزلية و إلى الأبد.

النقاشات الزائفة و المفخخة في الآونة الأخيرة، علاوة على أنها مسيسة، تفوح منها رائحة المكر و المراوغة. إن التعددية اللغوية في الجزائر حقيقة. بحيث يعتبر التحقيق المدرسي لذلك ضروريًا لكل من اللغات الأم (العربية والأمازيغية)، لكن كذلك للفرنسية واللغات الأخرى التي تظل مسلكا ضروريًا لمجموعة من المستويات المعرفية. فقط النفاق أو عبثية التفكير يمكنهما إدعاء عكس ذلك.

بالنسبة لأي دولة تحترم نفسها، فإن التعرف على أوضاع اللغات، احتياجات التنمية وحقائق المعرفة العالمية، هو إطلاق سراح التفكير والقرار من “الدوغماتية” (العقائد) والنماذج النمطية.

كم هي عدد حالات الشذوذ التي لوحظت في الكتب المدرسية، التي لا تحتوي أصلا على أي جماليات، و حيث نجد ثقل كبير (حتى في الحقيبة المدرسية) للعقائد حتى في تصميم الكتب نفسها، على سبيل المثال، الأدوار المخصصة للفتاة و للفتى، للرجل و للمرأة. كتب القراءة، حيث سيكولوجيا التأثيرات تقريبا غير موجودة عمليًا.

سيكون هناك بالضرورة تحرر للذكاء، و إنفتاح على حساسية ذات الفرد و على العالم، من خلال التطور الفكري في الحقيقة.

لقد كانت المدرسة (مثل المساجد كذلك) دائمًا بالنسبة للأنظمة الشمولية (والنظام الجزائري واحد منهم) تعتبر حقل للتجارب. تجارب شيطانية لتلقين و “تدجين” الأجيال، لأغراض “التحكم و السيطرة”. هذه الأنظمة الشمولية تعتبر أن هناك خطر عليها، إذا ما كان هناك تسريع للمعرفة. ذلك لأنه إذا كان الاستيراد “الميكانيكي” للأفكار يعزز “الخمول الفكري”، فإن “التوجُّس الأيديولوجي” في الاكتشافات التي طورها الآخرون، من شأنه تجميد القدرات الإبداعية للمدرسة الجزائرية، و لفترة طويلة قادمة ، في حين أنها تعيش اليوم حالة كارثية بالفعل.

في الختام ، يجب أن نعلم أن مستقبل أي بلد يعتمد على قدراته الإنتاجية الاقتصادية، واقتصاده بدوره يعتمد على قدرة البلد على “إنتاج” الكفاءات و الذكاء اللازم. “لقد حان الوقت لنرى في المدرسة مكانًا للمعرفة والعقلانية والإنفتاح، و أن لا نخلط بين الفلسفة التعليمية و تسييس المعرفة والضمير.” في الواقع هل يمكن أن تكون هناك مدرسة بدون ديمقراطية وبدون حرية؟

الدكتور أمقران لخضر

أمين أول و عضو المجلس السياسي ل”جيل جديد