ما مفهوم حقوق الانسان و ماهية النضال من اجل ترقية حقوق الانسان؟

ما مفهوم حقوق الانسان و ماهية النضال من اجل ترقية حقوق الانسان؟

Temps de lecture : 3 minutes

 

يقول جبران خليل جبران في إحدى أقواله المشهورة”ملعون في كل الأديان من يزهق حقوق الانسان”, حقوق الانسان هذا المصطلح المتعدد الابعاد تارة و المبهم تارة اخرى، بالرغم من أنه محور نضال إلا أنه تبقى قضية شائكة عند الكثيرين، فما مفهوم حقوق الانسان و ماهية النضال من اجل ترقية حقوق الانسان؟

أثناء البحث عن مفهوم حقوق الإنسان نجد عدة مفاهيم متقاربة، و قد حاولنا تقديم المفهوم الأقرب حسب رأينا الشخصي، إذ نرى أنها تلك الحقوق الأساسية التي تسمح لنا العيش بكرامة كبشر، المساواة بين الجميع أمام القانون مع حفظ كرامة الشخص، احترام الخصوصية الشخصية و تلبية الاحتياجات الوجودية و الاجتماعية الأساسية.

ولقد تم الإعلان عن قانون عالمي لحقوق الإنسان والذي نحتفل اليوم بذكراه السنوية 72 والذي قامت به السيدة “اليانور روزفيلت”، وقد جاء في المادة الأولى ما يلي “يولد جميع الناس أحرارا أو متساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء”.

عاش مسار حقوق الإنسان تطورات تاريخية عبر الزمن، بدءا بحمورابي و قورش الاكبرCyrus le grand  الذي ترك ما يسمى باسطوانة قورشcylindre de Cyrus  و القوانين الطبيعية في أوروبا مرورا بمجهودات المهاتما غاندي في الهند ثم خطاب جيفرسون(اعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية) إلى غاية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، و هذا الإعلان يعتبر مرجعا إلى غاية اليوم و يحتوي على ثلاثين مادة أساسية صالحة لكل زمان و مكان.

كما جاءت وراء الإعلان العالمي لحقوق الانسان عدة مواثيق و معاهدات تعزز حقوق الإنسان و ما جاء في إعلان سنة 1948، من بينها نذكر الميثاق الدولي للحقوق المدنية و السياسية، الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية كما تلتها مواثيق جهوية. من مميزات هذه الحقوق انها عالمية، مرتبطة ببعضها البعض و غير قابلة للتجزئة و شاملة تنطبق على كل شخص وبالرغم من الاختلاف في العادات و القيم إلا أن البشر يشتركون في حاجيات إنسانية عديدة.

تعتبر الدول التي أمضت الاتفاقيات العالمية و نشرتها في جرائد رسمية ملزمة باحترامها و حمايتها والإيفاء بها، كما يجب أن تكفل هذه الحقوق لجميع المقيمين على أراضيها عبر أجهزتها، كالشرطة و الموظفين العموميين الذين يرافقون المواطنين و يتعاملون معهم بصفة مباشرة، بالإضافة إلى المشرعين الذين يسعون إلى خلق التوازن بين المواثيق الدولية التي أمضتها الدولة و التشريعات الوطنية مع مراعاة مصلحة شعوبها.

وتمثل منظمات المجتمع المدني المستقلة عن الحكومات آلية رقابية للحماية، ورغم أنها محدودة الإمكانيات و لا تملك أدوات ردعية آنية لمنع التجاوزات إلا أنها تساهم بشكل كبير لرفع منسوب الوعي لدى المواطنين، بالإضافة إلى دورها الرقابي تلعب هذه المنظمات دورا أساسيا في تكوين المواطنين في سبل النضال و الدفاع عن حقوق الإنسان. وكما يقول المثل:” أول خطوة للنضال من اجل الحقوق، هي معرفة هذه الحقوق”

من حمورابي و قورش الاكبر الى يومنا هذا، مرت حقوق الانسان على عدة محطات و تطورات، فقد كانت ثورة في حياة الانسان، اذ كانت البشرية قبل هذا منقسمة الى اناس لهم كل الحقوق بصفة مطلقة و آخرين لا حقوق لهم، و مع هذا يبقى العالم اليوم امام تحديات كبرى لحماية و احترام حقوق الانسان و الايفاء بها، فالبرغم من الانتصارات التي حققتها التراكمات النضالية في معركة التشريع، حيث أن اغلب البلدان في العالم شرعت قوانين مطابقة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي أمضتها ونشرتها في جرائدها الرسمية الا ان الممارسات على ارض الواقع تبقى بعيدة كل البعد عن تطلعات المواطنين و منظمات المجتمع المدني التي تسهر على ترقية حقوق الإنسان و المواطنة. فالتقارير السنوية للمنظمات الحقوقية تسجل انتهاكات متفاوتة، ففي  البلدان ذات الانظمة الشمولية مثلا، مزال حكم الاعدام يستعمل كوسيلة ردعية لإسكات الخصوم السياسيين، كما أن دولا أخرى و بعد مشوار نضالي في هذا المجال بالكاد بدأت معركة إسكات البنادق و القنابل التي لا تزال مصدر تهجير مئات الالاف من اللاجئين هروبا من النزاعات المسلحة بحثا عن حياة مستقرة.

و بالموازاة تحصي الكثير من المنظمات الحقوقية ذات مصداقية واسعة في العالم، تراجع رهيب في مجال الحريات الاساسية في الكثير من البلدان خصوصا النامية منها، إذ سجلت سجن العديد من النشطاء بسبب مواقفهم السياسية أو نشاطاتهم الجمعوية أو معتقداتهم الدينية، و في تقارير صادمة نجد أيضا أن زعماء دول عظمى متهمين بتجاوزات في حقوق الإنسان، وحتى لو كانت هذه الدول مستقرة و تعيش أريحية اقتصادية تضمن حياة كريمة لمواطنيها إلا أن الانتهاكات التي يقوم بها هؤلاء الزعماء لا يجب الاستهانة بها ، إذ أنهم يزرعون البلبلة و يبثون خطابات مسمومة محشوة بالكراهية و العنصرية هدفها زرع التفرقة و تجنيد مجموعات ضد أخرى على أسس جهوية أو عرقية و هذا لأهداف سياسوية بحتة.

إضافة إلى هذا، فإن بعض هذه الدول العظمى -التي تعتبر حامية الديمقراطية و حقوق الإنسان- متهمة بإغراق الدول الشمولية بالاسلحة منتهكة المعاهدة الدولية لتنظيم تجارة الأسلحة، و يعتبر هذا مصدر توتر في بعض المناطق الحساسة و مغذيا للنزاعات المسلحة التي لا تخدم الانسان.

في المجتمعات ما يكفي من قوة لتجسيد عالم حديث، هذا العالم لن يكون الا ديمقراطيا و الديمقراطية لن تبنى الا بإحلال الأمن و السلام و إحترام حقوق الانسان، وهذا الاخير يرتقي  بالنضال المتواصل في البيت و المدرسة و مكان العمل و كذا في الشارع، بروح المسؤولية التي نتحلى بها جميعا كي نعيش معا في سلام.

 الدكتور فارس بدحوش
عضو في المجلس الوطني و رئيس مكتب المجلس العلمي لجيل جديد