تتكون الحكومة الفرنسية اليوم من الخاسرين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهم أنصار ماكرون من حزب “النهضة”، و”الجمهوريون” (LR)، وحزب “مودم”.
ورغم ذلك، فإن هذه الحكومة الائتلافية للخاسرين تحت رحمة حزب اليمين المتطرف، “التجمع الوطني” (RN)، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات، بعد “الجبهة الشعبية”، وهو تحالف للأحزاب اليسارية.
في الواقع، الخطر الحقيقي على هذه الحكومة لا يأتي من التجمع الوطني عبر طرحه لمذكرة رقابة، لأن أحزاب “الجبهة الشعبية” لن تصوّت لها، ولكن عبر تصويت التجمع الوطني لصالح مذكرة رقابة قد تقدمها الجبهة الشعبية، مما قد يؤدي إلى سقوط الحكومة، حتى دون نيتها الأصلية في ذلك.
في أي لحظة، وبمجرد أن تتيح النصوص القانونية ذلك، يمكن إسقاط الحكومة الحالية إذا قرر التجمع الوطني التصويت لصالح مذكرة رقابة تقدمها “الجبهة الشعبية”، حتى لو كانت هذه الفرضية تتراجع تدريجيًا.
بالتالي، فإن مصير الحكومة الحالية بين يدي التجمع الوطني. ولكي تبقى في السلطة، تسير الحكومة في اتجاهين: الأول هو تصعيد الخلافات واستغلالها حتى التشويه بهدف عزل المكون الرئيسي للجبهة الشعبية، “فرنسا الأبية”، وإضعاف التحالف لمنع إمكانية توحيد صفوفه في مذكرة رقابة موحدة. أما الاتجاه الثاني، فهو تقديم التنازلات يوميًا عبر تبني خطاب قريب من لغة التجمع الوطني، الشعبوية والانتخابية.
هنا يأتي دور وزير الداخلية، برونو روتايو، المرشح لرئاسة “الجمهوريين”. من الواضح أنه جسر الحكومة نحو التجمع الوطني، ويجسد تحالفهما الضمني.
تقوم الحكومة بفرض توتر سياسي دائم عبر التركيز على قضايا محددة، مثل الإسلام، والمسلمين، والحجاب؛ والمهاجرين، والمقيمين غير الشرعيين، والحقوق الاجتماعية؛ والجزائر، واتفاقيات 1968، وأوامر الطرد (OQTF). هذا الخطاب يتماشى مع التقليد العنصري، وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، ومعاداة الجزائر التي تبناها سابقًا “الجبهة الوطنية”، والذي تحوّل لاحقًا إلى “التجمع الوطني”، لكن دون حمله الواضح للصبغة المعادية للسامية التي كانت سمة قائده السابق.
من خلال هذا التوجه، يغذي روتايو كل المخاوف والأوهام حول المسلمين في فرنسا والمهاجرين، ويستغل استياء الذين لديهم هوس بالجزائر، وذلك ضمن استراتيجية مزدوجة: حماية الحكومة من السقوط عبر مذكرة رقابة، وتعزيز مكانته داخل “الجمهوريين” ليصبح المرشح الطبيعي للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أصبحت الحكومة الفرنسية مجرد وسيلة لتحقيق طموحات فردية، حيث تتبنى، بحضور أنصار ماكرون و”مودم”، خطابًا متطرفًا يستهدف فئات معينة، بما في ذلك جزء من المواطنين الفرنسيين بسبب دينهم أو بلدهم الأصلي.
هذا الانحراف الخطير هو نتيجة لاستراتيجية الرئيس ماكرون خلال ولايته الأولى، حيث سعى لتهميش الأحزاب التقليدية، مما أدى إلى ضعف الطبقة السياسية الفرنسية وعدم قدرتها على تجديد نفسها أو تقديم شخصيات كاريزمية قادرة على جذب الناخبين بمشاريع طموحة، دون اللجوء إلى الخطاب الشعبوي والعنصري.
يزداد الأمر سوءًا مع دور وسائل الإعلام القوية التي تروج لهذا الخطاب دون قيود، وتضخم التصريحات الشعبوية والعنصرية والإسلاموفوبية، مما يخلق بيئة مقلقة للشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع الفرنسي، التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية تجعلها أكثر تقبلًا لهذه الدعايات.
يجد السياسيون الفرنسيون، بمن فيهم السلطة التنفيذية، أنفسهم في سباق نحو استرضاء الخطاب اليميني المتطرف، متبنين مفرداته، مما يجعله أكثر قبولًا لدى شريحة واسعة من الفرنسيين، وبالتالي يمنحه الشرعية اللازمة للوصول إلى السلطة. إنها حلقة مفرغة قاتلة!
إذا لم يتحرك السياسيون الفرنسيون المسؤولون والعقلاء بسرعة، وبروح جادة وشجاعة، لإعادة بناء رؤية طموحة لفرنسا بعيدًا عن الخطاب الشعبوي والعنصري، فمن المرجح أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى منح الأفكار المتطرفة الأغلبية اللازمة للسيطرة على المؤسسات الجمهورية.
زهير رويس – نائب رئيس حزب جيل جديد
تأثير قرارات وزارة التجارة على استيراد الموز وأسعار الفواكه في الجزائر أصدرت وزارة التجارة الخارجية…
في ذكرى يوم النصر، تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ استشهاد المقدم الطيار في القوات الجوية…
بعد إنعقاد مجلس الوزراء الأخير, بتاريخ 09 مارس 2025 و تذكروا جيدا هذا التاريخ,…
اتفاقية 1968 الفرنسية الجزائرية تثير الجدل في المشهد السياسي الفرنسي تم وضع مسألة اتفاقية 1968…
لماذا انتقدتم برونو ريتايو، وزير الداخلية الفرنسي، على مهاجمته جميع الجزائريين بعد هجوم مولوز يوم…
الجزء الثاني: طريق ثالث؟ بقلم : سفيان جيلالي في ظل النقاشات حول الديمقراطية ودولة…