تواجه الجزائر مفارقة اقتصادية متكررة: تقييد الاستيراد باسم الاكتفاء الذاتي، وفي الوقت نفسه الاندفاع نحوه فور بروز أي أزمة نقص.
الهدف المعلن هو حماية وتشجيع الإنتاج المحلي، غير أن هذا الآلية تعكس أقل استراتيجية متماسكة، وأكثر رد فعل ظرفي يكشف غياب تخطيط حقيقي.
نظريًا، كان من المفترض أن يؤدي تقييد الاستيراد إلى تحفيز الإنتاج الوطني. لكن عمليًا، تعجز المؤسسات المحلية، غالبًا قليلة التنافسية، عن تلبية حاجات السوق.
وتعود صعوباتها إلى عوامل هيكلية: ضعف الاستثمار التكنولوجي، هشاشة البنية اللوجستية، الاعتماد على المواد الأولية المستوردة، البيروقراطية الثقيلة، ومناخ أعمال ما يزال غير ملائم.
يظهر هذا الاختلال بين العرض والطلب بوضوح في بعض القطاعات الاستراتيجية.
ومثال ذلك ما حدث مؤخرًا في ملف استيراد الحافلات والإطارات. فقد أدّى نقص الإطارات إلى شلّ حركة عدد كبير من السائقين في تنقلاتهم، مما دفعهم إلى اللجوء إلى النقل الحضري والريفي، والذي بدوره تضرر من الأزمة، وهو ما مسّ جميع المواطنين والخدمات الأساسية.
وأمام هذه الوضعية، اضطرت الدولة إلى السماح بالاستيراد المكثف للإطارات، مُلغية بذلك سياسة الاكتفاء الذاتي المعلنة.
وبالمثل، فإن شراء الحافلات الأجنبية لتعزيز حظيرة النقل الحضري الوطنية يجسد عجز النسيج الصناعي المحلي عن تلبية الطلب، رغم التصريحات المتكررة بشأن الإنتاج الوطني.
ويضاف إلى هذا الحلقة المفرغة عامل آخر مفاقم: الاحتكار والمضاربة التي ينظمها بعض الفاعلين الاقتصاديين.
ففي سياق نقص الإطارات أو المركبات، يقوم بعض الموزعين بحجز المخزونات عمدًا لرفع الأسعار، مستغلين هشاشة سلسلة التزويد.
تفاقم هذه الممارسات الأزمة وتكشف فشل الرقابة الحكومية وضعف تنظيم السوق.
هذا المد والجزر ليس سوى عَرَض لمشكلة أعمق: غياب استراتيجية صناعية واضحة ومستدامة.
فبدائل الاستيراد لا تختزل في منع الواردات، بل تفترض صعودًا تدريجيًا للنسيج الإنتاجي المحلي.
ويستلزم ذلك مرافقة مالية وتكنولوجية وتنظيمية، إصلاحًا لوجستيًا، إضافة إلى عمل جاد على التنافسية والجودة.
فخلف هذه الأزمات المتكررة وهذه المضاربات الانتهازية، يطرح سؤال جوهري: أي نموذج اقتصادي للجزائر؟
فالدولة تتأرجح بين خيارين: الإبقاء على التبعية البنيوية للخارج، أو الانخراط في استثمار واسع وطويل النفس في الإنتاج الوطني.
لكن، في غياب خيار واضح، تواصل الدولة اتخاذ أنصاف الحلول: تقييد من دون تحضير، حماية من دون استثمار، واستيراد من دون تخطيط، تاركة الساحة مفتوحة أمام المضاربين الذين يزيدون حدة التوترات.
هذه التناقضات تغذي حلقة مفرغة: فكلما أخرت الجزائر تحولها الإنتاجي والتنظيمي، كلما ازدادت تبعيتها للاستيراد الذي تزعم محاربته، وكلما أصبح السوق أكثر خضوعًا لمناورات المضاربين والانتهازيين على حساب المواطن والخدمات الأساسية.
والسؤال الذي يستحق الطرح: هل سيكون لرئيس الوزراء الجديد، المُعيَّن حديثًا، الصلاحيات الكافية والقدرة على وضع حد لهذا الفوضى السائدة؟
À CHAQUE PÉNURIE LA FUITE EN AVANT : LE RECOURS À L’IMPORTATION. L’Algérie fait face…
الرقابة الثلاثية على الواردات: حماية أم خنق؟ في الجزائر، يشبه استيراد السلع والخدمات مساراً شاقاً…
تحفيز الاقتصاد عبر السياسة النقدية؟ الرهان الخطير لبنك الجزائر أعلن بنك الجزائر مؤخراً عن خفض…
إن القرار المُعلن بسحب الحافلات، أو بالأحرى تلك الحُطام، النعوش المتنقّلة التي تجاوز عمرها 30…
قرار وزارة الداخلية القاضي برفض الترخيص لمسيرة سلمية تضامنية مع الشعب الفلسطيني، لا يُمكن فصله…
في عالم يشهد تحوّلات متسارعة، تعيد روسيا رسم تحالفاتها — الجزائر شريك استراتيجي بمنطق المصالح…