رسالة رئيس الحزب السابق د. سفيان جيلالي

رسالة رئيس الحزب السابق د. سفيان جيلالي

Temps de lecture : 4 minutes

أعزاءي أعضاء «جيل جديد»،

 أقف أمامكم اليومْ، بشعور من الفخر، لأسلم بين أيديكم مصير مغامرتنا التي بدأناها قبل خمسةَ عشرَ عامًا.

ففي شهر ديسمبر من سنةِ 2010، واستباقًا للأحداث التي كانت ستزلزل عددًا من الدول العربية، تولّدَ لديّ الشعور بأنّ الوقت قد حان للتحرك في الساحة السياسية بتأسيس حزبٍ سياسيّ ، كنّا نتطلّع إليه أنا وأصدقائي، وعلى وجه الخصوص إسماعيل سعيداني، رحمة الله عليه، وزهير رويس.

وسرعان ما اتخذنا الترتيبات والإجراءات العملية، وبدأنا نتصل في محيطنا بكل من نرى فيه الاستعداد للانخراط في ما كان يبدو حينها مغامرة صعبة.

تذكّروا، في تلك الفترة، كانت العهدة الثالثة لرئيس الجمهورية السابق في بدايتها. فقد خرق الدستور و فتح عدد العُهدات الرئاسية. و بالاعتماد على الريع النفطي، كان النظام يهدر ثروات البلاد بينما كانت الأجيال الجديدة ، المفعمة بالطموح والإرادة مهمّشة. كما أن تماسك المنظومة السياسية الداخلية تعرض للاهتزاز نتيجة كثرة الفضائح المالية والصراعات الداخلية.

خلال لقائنا الأول يوم 11 مارس 2011، والذي جمع حوالي عشرين مناضلًا، اعتمدنا مبدأ تأسيس الحزب ومنحناه اسم “جيل جديد”، لنوجّه للرأي العام رسالة مفادُها ، بأن غايتنا ليست إنشاءَ أداةِِ سياسية تُمكّننا من تحقيق مصالح أو امتيازات شخصية، بل إلى فتح فضاء جديد تتفتح فيه أفكار وقيم سليمة وعقلانية ومنفتحة على العالم.

ومنذ ذلك الحين، خُضنا نضالات على جبهات متعددة. كان علينا، وبشكل عاجل، إعداد قاعدةْ الحزب لخوض مختلف المحطات التنظيمية والانتخابية. ثم، شيئًا فشيئًا، قمنا بتأسيس هياكلِهِ الوطنية ثم المحلية، واعتمدنا نظامًا أساسيا ثم نظامًا داخليًا يتميزان بالحداثة والشفافية.

وكل واحد منكم يشهد اليوم بأننا حَرِصنا حِرصًا شديدًا على احترام قواعد سيرالهيئات الحزبية التي وضعناها معًا، ومكََّنا الجميع من التعبير عن آرائهم بحرية تامة.

نعم، بطبيعة الحال، وقعت بعض الإخفاقات. فقد سمح فتح أبواب الحزب، بدون أي نزعة إقصائية، بدخول طموحات غير سليمة حاولت التسلل إلى صفوفنا. لكن، حين يسود مناخ من العقل والشفافية، تخبو الشهوات وتموت المكائد فورًا.

ومع تصورٍ مبتكر لأساليب العمل، كان علينا، بالتوازي، صياغة مشروعنا المجتمعي.* *كان فهمُ مجتمعِنا، والوقوفْ على نقاط قوته كما نقاط ضعفه، وتحديدْ أولويات العمل، وبدءْ تكوين إطاراتنا، وتقديمْ أفضل ما يمكن من تربية سياسية في خدمة الوطن، من بين أهدافنا المعلنة والفعليّة.

إن إعطاء منظور حضاري لبلدنا كان يقتضي تعزيز الدولة عبر الدفاع عن دولة القانون، وتقوية الأمة بجمع أبناء الوطن على أساس المواطنة، واحترام ثقافتنا في شِقَّيْها، الهويّاتي والروحي، وأخيرًا تنشيط الاقتصاد من خلال تشجيع المبادرة المقاولاتية وتعزيز الإنتاج الوطني.

إن برنامجنا الحكومي، المبني على مشروعنا المجتمعي، يقدّم جملةً واسعة من المقترحات العملية في جميع القطاعات، بطريقة منسجمة ومتكاملة وديناميكية.

وأخيرًا، وعلى المستوى السياسي الخالص، كانت مواقفنا دومًا قائمة على مبادئ واضحة ومعلنة.

فإذا كنّا في طليعة المعارضة، فقد كنّا دائمًا منفتحين على الحوار. وإذا ندَّدنا بأخطاء القائمين على السلطة ، فقد اعتبرنا دائمًا، قبل ذلك، أنّ لهم حسن النية. وإذا كان علينا أن نرى بأنّ السلطة القائمة تسلك طريقًا خاطئًا، فلم نتردد يومًا في تنبيهها.

وإن كنت أستحضِر هذه الحقائق، فليس للمُباهاةِ بعملنا الذي، أكرر، لم يكن لينجح في فرضِ نفسه على الساحة السياسية لولا التزام وتفاني وشجاعة وتضحيات جميع الإطارات والمناضلين.

في الحقيقة، لم يحظَ حزب جيل جديد، خارج دائرة مناضليه، بدعم أي جهة كانت. فبإمكانات قليلة، بل من دون إمكانات تقريبًا، نافسنا أحزابًا سياسية مدعومة ماليًا وماديًا وإعلاميًا وسياسيًا، بل وحتى عبر التلاعب أثناء الانتخابات.

وبعد ذكر هذه الحقائق، يبقى لِزامًا علينا أن نقوم بتقييم نقدي لوضعنا.

فإلى جانب نقاط القوة التي ذكرتها، والتي تُعدّ ثروتنا الأساسية وضمانَ مستقبلنَا، هناك نقاط ضُعف علينا معالجتها.

فمواردنا المالية ضعيفة جدًا، تكاد تكون منعدمة. وسيكون من اللازم التفكير في كيفية سدّ هذه الفجوة، وذلك في إطار القانون طبعًا.

من جهة أخرى، فإن قاعدتنا النضالية تبقى ضعيفة من حيث العدد والإلتزام. وربما لم ننجح في تنظيم تعبئة مدنية أفضل. لقد افتقدنا تلك اللَّمسة القادرة على جذب الجزائريين والجزائريات وإقناعهم بالانضمام إلينا. ولم نتمكن دائمًا من الحفاظ على الهياكل التي أنشأناها في العديد من الولايات والبلديات.

الآن، وبعد أن ترسخ الإطار الفكري، وظهور نخبة داخلية في الحزب مكوَّنة تكوينًا جيدًا وذات خِبْرة، وبناء تنظيم غير مسبوق يضمن الكفاءة والاستقرار والتجديد، فإن القيادة الجديدة ستكونُ قادرةً على التفرغ للعمل الميداني: استقطاب العدد الكبير من الجزائريين الذي قد يتفقون مع رؤيتنا، تنظيمهم ثم إعدادُهم لمواجهة مختلف المواعيد الانتخابية. »**

أعزاءي أعضاء جيل جديد ،

يسعدني اليوم أن أنقل أمانة رئاسة الحزب في وقتٍ يسودُ فيه أفضل مناخ داخلي.

وإن أعمق رغباتي هو أن يتمكن الحزب من التطور بما ينسجم مع طموحاتنا.

ولا شكّ أنّ أمامنا عقبات يجب تجاوزها، وتضحيات ينبغي تقديمها، وعملٌ كثير يجب إنجازُه. وعلى هذا الدرب، سيظلُّ على كل واحدٍ منا أن يساهم في الجهد الجماعي.

لذا فإن هذا اليوم يمثل بالنسبة لنا جميعًا يومًا مميزًا، تملأه الآمال كما هو حافلٌ بالتطلّعات والالتزامات..

ومن منطلقِ المسؤولية، رأيتُ أنّه من المهم أن أُشرف على تنظيم مسألة الخلافة على رأس الحزب قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بما يتيح الوقت اللازم للرئيس الجديد وللقيادة الوطنية لفرضِ نفسِها على الساحة السياسية.

ومن ناحية أخرى، وطبقًا لنصوصنا التنظيمية، وبعد مداولات المجلس الوطني، فُتح باب الترشح لمنصب رئيس الحزب، أمام كل من يستوفي معايير الترشح. وهكذا، كان ما يقارب عشرينَ مناضلًا من مناضلي الحزب قادرين على الترشح في انتخابات مفتوحة وديمقراطية تمامًا.

غير أنه، وفي نهاية المطاف، لم تتلقَّ اللجنة التحضيرية للمؤتمر، المُنصّبة من قِبَل المجلس الوطني ، برئاسة السيد مهدي جابري ، سوى ترشيحََا واحدََا.

وهذا حرمنا من خوض انتخابات مفتوحة، دون أن يمُسّ بشرعية عملية الانتخاب. وهو أمر يعكس روح الثقة في هيئاتِنا وإطاراتِنا القيادية، ويعبِّر قبل كل شيء عن الإحساس بالمسؤولية ووحدة الجميع.

وفي هذا السياق، إن كان لي أن أعبّر أمامكم عن أمنية واحدة، فهي أن نحافظَ جميعًا على الروح التي حرّكتنا منذ نحو خمسةَ عشرَ عامًا: الإيمانْ بوطننا، والصداقة العميقة التي تجمعنا حول مشروع مجتمعنا، والديمقراطية واحترام القواعد الداخلية، والِاعتدال والاِتزان، وحَشْد الطاقات.

وأخيرًا، أودّ أن أتقدّم هنا، أمامكم، بجزيل الشكر لكل من وقف إلى جانبي، في اللحظات السهلة وخاصة في اللحظات الصعبة. ولا أجرؤ على ذكر الأسماء لأن القائمة طويلة وقد أقع — من غير قصد — في إغفال بعضهم. لذا أتوجّه بالتحية إلى جميع أعضاء مجلسنا الوطني، وأعضاء مجلسنا السياسي، وأعضاء الأمانة الوطنية، وأعضاء المجلس العلمي، وأخيرًا أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر.

وأتمنى أن أكونَ بينكم في المؤتمر القادم لأشهد مختلف النجاحات السياسية والتنظيمية والانتخابية التي سنكون قد حققناها آنذاك، بإذن الله.