خطاب الدكتور سفيان جيلالي، رئيس جيل جديد، بمناسبة ذكرى تأسيس جيل جديد الثانية عشر

خطاب الدكتور سفيان جيلالي، رئيس جيل جديد،  بمناسبة ذكرى تأسيس جيل جديد الثانية عشر

Temps de lecture : 9 minutes

خطاب الدكتور سفيان جيلالي، رئيس جيل جديد، بمناسبة ذكرى تأسيس جيل جديد الثانية عشر

11 مارس 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أصدقائي الأعزاء، ضيوفنا الكرام،

أشكركم جميعًا على تواجدكم معنا اليوم للاحتفال بعيد ميلاد جيل جديد الثاني عشر.

هذا اليوم هو فرصة لنا لتقييم المسار الذي قطعناه خلال السنوات الأخيرة، والتفكير في رحلتنا كحزب سياسي، وفي موقعنا في المجتمع، وما تمكنا من القيام به وما نود القيام به يعود بالنفع لصالح شعبنا.

 

جيل جديد يحتفل بعيد ميلاده الثاني عشر

في الواقع، وفي خضم الحركية يعترينا شيء من النسيان للأسباب الأولى التي جعلتنا ننخرط في نشاط ذو صلة بالحياة العامة، معقد، صعب، بل ومحفوف بالمخاطر في بعض الأحيان، دون أن يكون لدينا في المقابل ضمان نجاح يتناسب مع التضحيات التي قدمناها جميعا كمناضلين في هذا المسعى.

بينما كانت موجات الربيع العربي تجتاح منطقة المغرب الكبير والشرق الأوسط في نهاية عام 2010، وكادت الجزائر أن تجد نفسها مرة أخرى في عين الإعصار، حينها كنا بعضا عندما قررنا، معًا، ذات 11 مارس 2011 العمل بكل إخلاص والمساهمة في تجنيد الجزائريين حول مشروع سياسي للمستقبل.

بالنسبة لنا، كان من الواضح أن الجزائر كانت في أمس الحاجة إلى رؤية سياسية جديدة، ووجهة نظر غير تلك التي كانت تعيشها آنذاك، يكون الهدف منها التوفيق بين البعد الحضاري الذي ننتمي إليه مع التحديث الضروري والحيوي للمجتمع.

منذ استقلاله، دخل المجتمع الجزائري في ديناميكية قوية من التغييرات لمواكبة التأخير الذي تسبب فيه الاستعمار الطويل، والذي أدى، إلى زعزعة استقرار الهيكل الاجتماعي. كان على المجتمع التقليدي تحمل العبء الأكبر من صدمة الحداثة التي لم تفكر فيها النخبة السياسية أو تتقنها، والتي لم يكن من الممكن توقع نتائجها العكسية. لقد دفعت الجزائر ثمناً باهظاً تمثل في العشرية السوداء. عشرية مؤلمة من الأزمة السياسية والأيديولوجية كانت عواقبها مأساوية على جميع الأصعدة.

في نهاية الصراع الذي كان فيه تواجد الدولة الوطنية على المحك، كانت البلاد في أسوأ الأحوال ومعرضة لضغوط المصالح الجيو-اقتصادية التي كادت أن تقيد سيادتها مرة أخرى.

مع حلول عام 1999، تشكل نظام سياسي متنازل طبيعته مكر حقير وفساد كبير. شيئا فشيئا وتحت شعار المهادنة، دخلت البلاد عصر التواطؤ والإهمال والنهب.

وبعد نحو عشر سنوات، كسر قفل الأمان ضد الانحراف الذي كان يمثله الحد الدستوري للعهدات وفتحت بذلك باب التغاضي عن كل التجاوزات. خمس سنوات بعد ذلك، أصبح على العرش شبه ملك وترك المجال لأوليغارشيا جشعة ووقحة تكالبت على جسد البلاد.

 

حينها كان المعارضون لهذه السياسة الانتحارية قليلون جدا! البعض قبل بأريحية نظام الكوطات، والبعض الآخر مارس التهريج الشعبوي. فئتين أنجبتا فيما بعد زعماء مزيفين كادوا كيدا للاستحواذ على رمزية الحراك، فيما تحول آخرون إلى مرتزقة في خدمة الأجندات المعادية للجزائر.

هنا بطبيعة الحال لا أضع في نفس المرتبة أولئك الذين كانوا يأملون في تغيير حقيقي وجذري في نمط الحكم. هم كثيرون وغالبا ما نجدهم متواضعين مركزين على تضحياتهم من أجل دولة القانون.

المؤسف في الأمر أن أولئك الذين يدعون الديمقراطية والحرية والرقي هم أولئك الذين لجئوا للقذف والتشهير والأكاذيب وحظر الرأي المخالف لآرائهم.

الحراك

في 22 فبراير، كان الحراك الشعبي لحظة استثنائية. مهما كانت محاولات استغلاله، فإنه قد مكن الجزائر من التخلص من نظام كان يعرض الأمة لخطر حقيقي.

لطالما كان جيل جديد متمسكا ولعدة سنوات برفض كل شكل من أشكال المساومة. كان حاضرا في 22 فيفري 2019، جمعة بعد الجمعة ولأشهر طويلة. أدى بكل وفاء وإخلاص دوره في المطالبة بالتغيير إلى جانب الشعب.

لن تفاجأوا إن قلت لكم أنني لازلت على يقين، أكثر من أي وقت مضى، أن الراديكالية الساذجة والعنيدة هي التي قللت من نجاح الحراك. أقول “قللت” لأنه بالنسبة لي لم يكن هناك فشل بل نجاح نسبي. في نهاية عام 2019 وحتى بداية عام 2020، كان هنالك خطر واضح لحدوث انزلاقات. شيئًا فشيئًا، سيطرت العواطف على الكثير من الجزائريين، وتعلمون جيدا أن حكمة الشعوب قد تتحول بسرعة إلى جنون الحشود.

عدا هذا، فإنني أصر على القول أنه بالنظر إلى الصيرورة التاريخية، فإن الحراك سيبقى لحظة توطيد للشعور الوطني ولحظة لم الشمل بين الجزائريين. لقد أعطينا العالم كله صورة جديدة وحيوية لما هي الجزائر اليوم. بعدها وعلى أرض الواقع، فقد تمت تنحية الغالبية العظمى من صناع القرار حينها. تذكروا جميعا ذلك الإذلال المتواصل الذي فُّرض علينا من خلال رئيس مريض ومقعد، تذكروا أيضا نزيف ثروات البلاد الذي مارسته مجموعة مفترسين ولسنوات. تذكروا تفكك الدولة كان يتراءى لنا في الأفق! لا شك اليوم أن بفضل الحراك أصبحت الجزائر آمنة مرة أخرى، حتى ولو لم يتم القضاء على جميع مشاكلها بعد.

 

استقرار الدولة

اليوم، لا يمكن إنكار أن استقرار مراكز القوة يجعل من الممكن النظر إلى الوضع بشيء من الأريحية. يعلم الجميع أن البلاد مرت منذ عام 2013 على الأقل بفترة بالغة الخطورة، حيث أُضعف الجيش والأجهزة الأمنية بفعل التوترات الداخلية التي أدت إلى عمليات تصفية حسابات، رافقتها اعتقالات لمسؤولين رفيعي المستوى. لو انقسمت مؤسساتنا الأمنية نهائيا لكنا عشنا مرحلة دراماتيكية.

بعد فترة الحراك التي شهدتها الجزائر وبداية عام 2023، يمكننا القول أن الجزائر قد استعادت تماسكًا داخليًا كافيًا لمواجهة بقية الأحداث. من هذه الزاوية الجزائر عادت من بعيد.

 

على الصعيد الدولي

في أعقاب هذا الاستقرار في أجهزة الدولة، من الملاحظ أيضًا أن البلاد قد استعادت تموقعها الجيوسياسي وعادت إلى النشاط الفعال مرة أخرى. إن دور الجزائر في إعادة توحيد الفصائل الفلسطينية، وإحياء جامعة الدول العربية بقمة ناجحة في الجزائر، وخاصة احتمالات الانضمام إلى بريكس+، كلها نقاط تحسب للجزائر. هكذا وبلا شك، تستيقظ الجزائر من سبات غير مسؤول، إن لم نقل متواطئ، دام قرابة عشرين عامًا.

 

تصحر سياسي

ومع ذلك، هناك أيضًا إخفاقات وأوجه قصور في السياسة الحالية. أولاً، الطبقة السياسية في حالة تيهان، وهذا ليس بالأمر الجيد، لقد تم أفرغ المشهد السياسي من جوهره. يُنظر إلى الأحزاب السياسية على أنها كيانات عديمة الفائدة إن لم تكن ضارة. ومع ذلك، لا يمكنك بناء ديمقراطية بخنق الأحزاب السياسية

يجب وضع قواعد واضحة وموضوعية للممارسة الديمقراطية. لكن إخضاع الأحزاب لقواعد معقدة وكل أشكال الإقصاء والتهميش لن يؤدي إلى الإجماع الذي تحتاجه الجزائر.

 

الواقع السوسيو-سياسي

قد يرّد البعض بأن جيل جديد لم يتمكن من تحقيق نتيجة مقنعة خلال الانتخابات التشريعية. دعوني أخبركم أن نتائج الانتخابات التشريعية لا تمثل بأي حال من الأحوال العمل السياسي الذي نحن نقوم به منذ سنوات عديدة. أسباب هذه النتيجة كثيرة، بعضها من مسؤوليتنا والبعض الآخر غير ذلك.

في جيل جديد نرى أنه وفي المرحلة الحالية من تطور مجتمعنا، هناك انفصام بين العمل السياسي والانتخابات، بين عالم الأفكار وواقع دوائر السلطة. هذه الأخيرة هي جزء من لعبة يكون فيها المال، الزبونية، الانتماء الجهوي أو حتى القبلي وتأثير أجهزة الدولة هي الدافع الحقيقي للنجاح أو الفشل الانتخابي. لقد كان جيل جديد فاقدا لكل هذا لأن مقاربته الإصلاحية والحداثية في السياسة تتعارض مع التشوهات السياسية. إن ممارسة الشعبوية والتجنيد بأي ثمن من خلال قبول الحل الوسط كان من الممكن أن يوفر لنا مقاعد ولكنه كان سيقلل بشكل أساسي من قوتنا السياسية في التغيير المجتمعي الذي ننشده. يجب الاعتراف بأن الغالبية العظمى لا تزال غير مهيأة لمعركة الأفكار. قد يكون المواطن متحسس لهذه الفكرة أو تلك، لهذا الاقتراح أو ذاك، ولكن عند التصويت، تكون ردة فعله وفقًا لتشعبات المصالح المباشرة (وعود الإسكان، والوظائف، قفة رمضان، وما إلى ذلك) أو الدوافع اللاواعية المرتبطة بالهوية (القبيلة، المنطقة، المجموعة العرقية، إلخ).

كما هو الحال منذ انتخابات 1991، فإن ما يسمى بالنخبة الحديثة لا تريد أن تتلطخ يداها في الواقع المر آنذاك. فهي تنتقد، أحيانًا تعبر عن سخطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض الأحيان تقف صراحةً خارج أي قضية وطنية، معتقدةً أن صمتها وتقاعسها عن العمل يحميها وفي نفس الوقت يمنحها الشرعية لانتقاد أولئك الذين يتصرفون.

قناعتنا أنه يجب علينا أن نقود معركة الأفكار. إذا لم يكن لدينا اليوم، كجيل جديد، مقاعد كثيرة في البرلمان أو في المجالس المحلية، فإننا ما زلنا نؤدي واجبنا من خلال العمل على تمهيد الطريق للتجديد الحيوي لمستقبل الوطن.

 

الحريات

فيما يتعلق بالحريات، فإن المجتمع السياسي يعيش حالة من الانزعاج المتزايد. إذا كان الوطنيون قد فهموا أنه يجب استعادة سلطة وهيبة الدولة، فإنه ولابد من الاعتراف بوجود نوع من التضييق المتزايد على البعض. إن الأحكام والقرارات القاسية ضد نشطاء وأيضًا مواطنين لمجرد أنهم عبروا عن عدم موافقتهم في شكل من أشكال تسيير شؤون البلاد، سيكون لها تأثيرها الوخيم. الكثير من الضغط يؤدي إلى عدم الثقة، بل وإلى شكل من أشكال التمرد من مواطنين نزهاء في توجهاتهم. واقع يمكن أن يزعزع ثقة المواطن، خاصة وأن الأحزاب السياسية والنقابات ووسائل الإعلام تبدو مشلولة. المحرضون من وراء البحار فقط هم وحدهم السعداء بهذه الوضعية السانحة والهدايا المجانية: لهم كامل الطاقة في التحكم والتلاعب بالرأي العام. لقد تحولت القنوات الخاصة إلى استنساخ تجربة السبعينيات وما تزال مواقع إخبارية محظورة! ومشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام لا يشجع تماما على الاحتراف.

إذا فقد السياسيون والإعلام مصداقيتهم فستكون هناك قطيعة بين السلطة والرأي العام الوطني. لقد بات من الضروري استعادة حرية التعبير التي تسمح بالنقاش العام، على الرغم من أن هذا قد يكون في بعض الأحيان مزعجًا لأولئك المسؤولين عن شؤون البلاد. هذه هي الضريبة التي يجب دفعها إذا ما أريد خلق حد أدنى من الإجماع الوطني.

من جهة أخرى، هناك أشخاص ارتكبوا بالفعل أعمالًا سيئة أو حتى مخالفة للقوانين. فمشيهم يوم الجمعة أو إدعاء انتمائهم للحراك لا يغنيهم من المساءلة القانونية. يؤسفني أن أقول: هنالك الكثير من التلاعب ومن جهات عدة.

على أية حال، في هذا الملف، سيتعين على الجزائر بذل جهود خاصة، وأنا أصر على وجه الخصوص على مشكلة الحبس المؤقت الذي يتم اللجوء إليه بسهولة شديدة وعلى حساب المتقاضي، عندما وجب أن يكون تطبيقها استثنائيًا. الهدف من العدالة ليس تدمير حياة الناس، ولكن السهر على تنظيم سلوك المجتمع وتطبيق القانون بشكل عادل.

 

شلل حكومي

فيما يخص السلطة التنفيذية، نجد أن الحكومة تم تشكيلها وتعديلها عدة مرات ولكن لا يبدو أنها متجانسة مع الواقع. في الآونة الأخيرة، يظهر رئيس الوزراء على الساحة الدولية في حين ينعدم تواجده عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن البرنامج الحكومي أمام الرأي العام. بصرف النظر عن الأهداف الرئاسية التي تم تحديدها خلال الحملة الانتخابية، لا يبدو أن الحكومة تقدم قيمة مضافة، بل أكثر من ذلك نشعر وكأنها أنها تعيش نوع من الانفصال عن الواقع، وتحولت إلى مصدر انسداد بدل أن تكون قوة دفع للمشاريع والقطاعات التنموية. في حالة أزمة ثقة عميقة مثل التي شهدناها بعد عام 2019، صراحة الخطاب وجرأة التصرف كانا ليحققا الخلاص. للأسف، الحكومة لا تحدد أهدافها بوضوح، ولا رؤيتها العملية لتنفيذ أجندة تنمية متماسكة وعملية. فرغم تمتعها بكامل حرية التصرف في وجود برلمان متساهل، إلا أنها لم تستغل الوضع لبدء إصلاحات حقيقية وضرورية جدًا. هناك بالطبع نوايا حسنة في مختلف القطاعات، لكن هذا لا يجعلها سياسة طموحة. ربما أكون قاسيا مع الحكومة نظرا لتراكم الملفات التي لم يتم معالجتها معها منذ فترة طويلة.

أنا مستعد لأن أكون أكثر تساهلاً وتفهما شرط أن أكون مقتنعا بهذا. الأمر ليس كذلك في الوقت الراهن.

 

في الاقتصاد

في الواقع، بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014 وسوء التسيير الذي عرفته الجزائر مع العهدة الرابعة، تلتها زعزعة استقرار الدولة بالتغييرات التي فرضها الحراك لينتهي بنا المطاف بوباء كوفيد 19، فإن المستوى المعيشي للمواطن عرف تدهورا خطيرا. أكيد أن هنالك جهد ملحوظ وعمل تم إنجازه على مستوى الاقتصاد الكلي لإعادة التوازن إلى الأساسيات الاقتصادية. انخفاض حاد في فواتير الاستيراد والعودة إلى ميزان تجاري إيجابي حتى لو أن ذلك تم تحقيقه بقليل من البصيرة. صحيح أنه تم بدل جهد خاص للحفاظ على القدرة الشرائية مع تحيينات للأجور وتكثيف المساعدات الاجتماعية. في الوقت الراهن نحن ننتظر انتعاش اقتصادي حقيقي. لحسن الحظ، كان هناك ارتفاع ملحوظ في أسعار المحروقات منذ عام 2021. نية دعم وتشجيع الإنتاج الوطني هي واضحة للعيان. إصدار القانون المتعلق بالمقاول الذاتي وهو الإطار القانوني الذي يحمل في طياته تسهيلات والتعديلات الجديرة بالاهتمام والتي يجب اتباعها. ومع ذلك، لم يتحقق أي من هذا بشكل كبير على الأرض.

ومع ذلك، على مستوى الاقتصاد الجزئي، لا تزال الصعوبات قائمة. يشتكي المستهلك من الأسعار، والتضخم مستشري حيث يتم استيراده إلى حد كبير لأن الإنتاج المحلي لا يزال متواضعا، انقطاعات متكررة في المواد الاساسية وإنتاج وطني لم ينطلق بعد بشكل جدي. لا تزال إدارة القطاع الإنتاجي أو التجاري في القطاع العمومي متواضعة. قطاع السياحة لا يزال يعاني من تشوهات وصعوبات تعرقل من تحقيق انطلاقة فعلية. العديد من القرارات القطاعية المفاجئة تمنع المنتجين أو تثبط من عزيمتهم. إن فرض تراخيص إدارية لاستيراد المواد الاساسية، على سبيل المثال، أصبح عاملاً من عوامل الاضطراب في السوق ويقوض تدفقات الإنتاج. بصرف النظر عن المشاريع العامة الكبرى التي أعلنت عنها الحكومة، لم يتم إحياء الاستثمار الخاص أو الأجنبي بشكل كافٍ. رأس المال المكدس والمخزن لم يجد الحوافز الكافية للعودة إلى السوق. على العكس من ذلك، إننا لنجد مناخ من عدم الثقة أدى مع مرور الوقت إلى هروب رؤوس المال بشكل جماعي، والتي يتم سحبها من الثروة الوطنية.

 

فرص تنتظر الاغتنام

كان من المنتظر أن تدفع الأزمة الطاقوية التي يشهدها العالم الحكومة إلى التفاوض بشأن نقل الأنشطة الانتاجية في مختلف القطاعات إلى الجزائر. لا نرى أشياء جادة في هذا الصدد. الجزائر لن تكون قادرة على اللحاق بالركب الاقتصادي العالمي بمفردها. علينا الاعتماد على أنفسنا وفي نفس الوقت معرفة كيفية استغلال الفرص المناسبة. لقد كانت الصين تعيش التخلف قبل عشرين عاما. فقد تمكنت، على الرغم من الحزب الواحد والأيديولوجية الشيوعية، من فتح اقتصادها والاستفادة من المساهمة التكنولوجية الغربية.

كان من المفروض أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الجزائر يتراوح بين 400 و500 مليار دولار في السنة وليس الاكتفاء بـ 160 أو 180 مليار دولار، والمرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالمحروقات. كون 70٪ من الميزانية مصدرها الضرائب المحصلة من عوائد النفط لأمر خطير على المدى البعيد. بدلاً من تعزيز المقاولين، وتشجيع المبادرة، وتفعيل بورصة الجزائر، وفتح رأس مال الشركات العامة العاجزة في شكل أسهم وطرحها للخصخصة، وجعل البنية التحتية مربحة، وتنظيم محاور جوية بين أوروبا وإفريقيا، لتصبح اقتصادًا ديناميكيًا. بدلاً من كل ذلك، تنشغل الحكومة بسجن التجار ممن وجد عندهم مخزونًا زائدا من الموز أو الزيت، وإرسال فرق مدججة إلى شركات صغيرة بالكاد تكون قادرة على البقاء، وعراقيل بيروقراطية لا منتهية في وجه رجال الأعمال. الجزائر أكبر من أن تسمح لهذه الممارسات أن تصبح معيارها الاقتصادي! لا يمكننا أن نقود اقتصاد بلد يعاني من الإحباط ونوع من الغيرة من نجاحات الآخرين. لنكن واضحين، رئيس الجمهورية يصبو إلى تطلعات كبيرة، لكن من الناحية العملية، غالبًا ما نجد، في السلطة التنفيذية، رداءة في الأداء، نقص في الكفاءة، ولسوء الحظ لا يزال هنالك الكثير من الفساد.

فرضت الانتهازية والزبونية سيطرتها على مفاصل الإدارة. على الرغم من النوايا الحسنة لصناع القرار، إلا أن المؤسسات العمومية لا تزال تعاني من هيمنة شبكات هادمة للإصلاحات. في الكثير من الأحيان، وعلى الرغم من رغبتهم في إصلاح القطاعات المختلفة، فإنهم يواجهون ردود أفعال قديمة حيث استفحال المحسوبية وعدم المسؤولية. ستتطلب الإصلاحات الناجحة إعادة تشكيل الإدارة ونمط تسييرها. على هذا المستوى وجب إيجاد الجرأة الكافية لفرض التغيير. إيجاد الكفاءات المناسبة والمتميزة، تعديل سلم الأجور، وضع أنظمة تعاقدية وفقا لأهداف محددة يجب تحقيقها، أو حتى تفويض بعض الأنشطة المعينة إلى هيئات خارجية. في نهاية المطاف، وبالتدريج، سيتم التقليل من الأعداد الزائدة من الموظفين في الإدارات، والتي تشكل عائقًا يقضي على محاولات التحديث. من هنا سيكون نجاح أو فشل التنمية التي نصبو كلنا إليها: البدء بامتلاك قاعدة بيانات موضوعية وموثوقة عن مواردنا البشرية، بما في ذلك جاليتنا المقيمة في الخارج، ودمجهم بأهداف تفاوضية وبأجور محفزة، في هيئات صنع القرار الاقتصادي عندنا ووضع نموذج تطوير جديد يهدف إلى التميز والجودة والجدارة.

يجب الخروج بسرعة من ذهنية الريع واحتكار الثروة التي تديرها أقلية تستغل بشكل أساسي سلطة الإدارة. فعلى سبيل المثال السياسة المنتهجة في قطاع الخدمات الجامعية هي بمثابة فضيحة حقيقية. إذا ظل المجال الاقتصادي تحت السلطة المباشرة للإدارة، سيكون الفشل الذريع للوطن مرة أخرى. فقط وبخطة تواصل مع المواطن تكون فعالة، موضوعية، واقعية وحقيقية سيكون لها الأثر الإيجابي. إدارة هذا القطاع تبقى مؤسفة للغاية.

 

إصلاح أخلاقي وذهني

نحن في أمس حاجة إلى إصلاح أخلاقي وذهني! سيبدأ هذا عندما تصبح المدرسة أداة للتحرر، وإعداد الطفل للمواطنة والإبداع والمسؤولية. في الوقت الحالي، المدرسة تريد تكون تلاميذ في شكل أقراص صلبة، لقد أصبحت قدرة الحفظ معيار النجاح. قد نجد طلاب في أعلى درجات الدراسة لهم القدرة على إعادة سرد الدرس بأكمله، ولديهم نتائج ممتازة في التحصيل ولكن في الأخير غير قادرين تماما على شرح المحتوى. بدون موارد بشرية كفؤة، من دون تكوين جيد، من دون إدخال الاستحقاق في أنظمة التوظيف، لا يمكن أن يكون هناك تطور جدي.

باختصار، مشكلتنا الأولى هي الموارد البشرية. ومع ذلك، فهي موجودة ولكن يبدو أنها غير قابلة للتوظيف لأن النظام لا يراها، حيث أنها لا تستوفي تشفيره أو معايير التوظيف الخاصة به. مادامت الكفاءة ومتابعة المسار المهني وفقًا للمعايير الموضوعية والاستحقاق لا تُّأخذ في عين الاعتبار في منح المسؤوليات لمستحقيها، فسنظل نكرر الفشل. أعلم جيدا أن العديد من المسؤولين عندهم القدر الكافي من الكفاءة وأن بعضهم يتحمل عبء كبير في مسؤولياته. لكنني على دراية أيضًا أن عددًا كبيرًا جدًا من المسؤولين في غير مكانه، وطالما لم نحاول تجاوز نقاط ضعفنا، فلن نرقى إلى مستوى التطلعات.

الجزائر، مع ذلك، لديها كل المؤهلات.

لا زلنا بحاجة إلى الرؤية الصحيحة وأكثر من ذلك إلى الشجاعة لتفعيلها على أرض الواقع.