رسالة مفتوحة إلى السيدة أروى شوبكي، المديرة العامة لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED

رسالة مفتوحة إلى السيدة أروى شوبكي،  المديرة العامة لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED

Temps de lecture : 5 minutes

 

الجزائر في 14 أكتوبر 2023

 

رسالة مفتوحة إلى السيدة أروى شوبكي،

المديرة العامة لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED

سيدتي،

 

في عام 2019، منحتني منظمتكم الموقرة جائزة لتشجيع التزامي بالديمقراطية في الجزائر.

 

بعد أن قرأت مبادئكم العامة بشأن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام هوية شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قبلت هذا التكريم، ليس لنفسي ولكن لتمثيل التزام جميع أولئك الذين ناضلوا سلميا من أجل الأفكار الديمقراطية في بلادنا.

 

وبطبيعة الحال، إن فعالية عملكم كما تُقدمونه في موقعكم الإلكتروني، يعتمد على الضغط الذي يُمكن القيام به مع السياسيين وصناع القرار في واشنطن.

 

“أمريكا تفتقر إلى المصداقية فيما يتعلق بالديمقراطية لأنها غالبا ما تتسامح مع السلوك الاستبدادي في الأنظمة الصديقة بينما تدعو إلى الديمقراطية وتغيير الأنظمة في الأنظمة المعادية”. إن هذا الاعتراف الذي أظهرته منظمتكم، يعطي ضمانة لصدق عملها. وتضيف كذلك: “إن المشاركة من خلال الوسائل السلمية، مثل الحوار والدبلوماسية، هي الطريقة المشروعة والفعالة الوحيدة لتعزيز الديمقراطية في المنطقة. يمكن للولايات المتحدة أن تساعد، وسوف تساعد، ولكن في نهاية المطاف لا يمكن بناء الديمقراطيات المستقرة والآمنة في الشرق الأوسط إلا من الداخل”.

 

ومن الواضح أن هذه المبادئ تم تبنيها في أعقاب المشروع المؤسف المتمثل في فرض الديمقراطية على العراق، وهو الأمر الذي أدنتهُ شخصياً في ذلك الوقت. وفي الواقع، لقد حان الوقت لإعادة النظر في النهج العام للعلاقات مع دول الجنوب بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص والتي لم تتوقف عن كونها مركز المآسي الإنسانية منذ الاستعمار الإمبريالي في القرنين التاسع عشر والعشرين وحتى اليوم.

 

وخلال إقامتي في واشنطن، تمكنت من مقابلة العديد من الناشطين الفلسطينيين والتونسيين والمصريين وغيرهم من مواطني منطقتنا، في مقر منظمتكم، والذين أرادوا جميعًا التنظيم والعمل على تغيير الأوضاع السياسية بطريقة سلمية.

 

إن قربكم من الحزب الديمقراطي يجب أن يسمح لهذا الأخير بدراسة سياسته في منطقتنا بالعقل والحكمة.

 

وبنفس المنطق، أحافظ باسم حزبي على علاقة هادئة تتسم بالإحترام مع السلك الدبلوماسي الأمريكي، وعلى رأسهم السفراء المتعاقبون الذين أقدر انفتاحهم والصداقة التي عبروا عنها دائمًا لبلدي.

 

ولكن، كما تعلمون، هناك أيضاً مواضيع تتباين بشأنها تصوراتنا وقناعاتنا، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الدولية. ومما لا شك فيه فإن القضية الفلسطينية هي واحدة من هذه المواضيع الحساسة. لسنوات عديدة، اتخذت بلادكم رسميًا مواقف دبلوماسية تميل إلى استيعاب أطراف النزاع على الرغم من تقديم الدعم الصريح دائمًا للدولة العبرية. هذا خياركم السيادي نعم، تماماً كما أن دعم الجزائر للقضية الفلسطينية مشروعٌ بالكامل.

 

إن حل الدولتين في هذه المنطقة، الذي قررته الأمم المتحدة عندما فرضت تقسيم الأراضي الفلسطينية لإفساح المجال أمام قيام دولة جديدة ذات أيديولوجية صهيونية، والذي رفضته إسرائيل في الواقع، تم تنفيذ حل يؤيد إرادة واحدة على حساب الفلسطينيين الذين يتعرضون، من ناحية أخرى، لفصل عنصري وقمع لا يرحم. هذا الظلم العميق لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الانفجار. وما كان من المفترض أن يحدث قد حدث!

 

في 7 أكتوبر2023، نفذ الذراع المسلح لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” عملية مسلحة، وصفها المؤيدون للفلسطينيين بالمقاومة، ووصفها المؤيدون للصهيونية بأنه عمل إرهابي.

 

ومن الواضح أنه كان من المتوقع أن تستخدم إسرائيل كل وسائلها العسكرية لوضع حد لهذا الهجوم المسلح ومن ثم معاقبة المتمردين بأقسى الطرق، وكذلك قيادة حماس، وخاصة عائلات وأقرباء المقاتلين الفلسطينيين. لقد اتخذ هؤلاء الرجال خيارات وتحملوا مسؤوليتها.

 

في هذا الوضع المتفجر، كنت آمل أن تنظر قوى هذا العالم، بعد إدانتها الشديدة لهذه الأحداث، بجدية إلى القضية الفلسطينية لإيجاد حل نهائي لما هو مصدر مآسي هذه المنطقة: الاستعمار الشامل، عنف متواصل ضد شعب محبوس في سجن مفتوح، مُهان، والمسلوب من أراضيه ومنازله وكرامته منذ 75 عاماً.

 

تتصرف الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية مثل أي حكومة فاشية وعنصرية (تأتي هذه التوصيفات من سفير إسرائيلي سابق)، وبوحشية لا توصف تجاه النساء والأطفال والمسنين والمعزولين. ويحتل المستوطنون المسلحون والمحميون من الجيش بشكل غير قانوني المزيد والمزيد مما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ويهينون المشاعر الدينية للمسيحيين والمسلمين، ويرتكبون أعمالاً تدنيسٍ ويخططون رسمياً لتدمير المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان مكانه. إنهم ينظمون عمليات مطاردة ويحرقون الأطفال (بأدلة مصورة) ويرهبون “العرب”.

 

إن القصف الدوري والعشوائي على منطقة لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا مربعا، والتي تستضيف ما يقرب من 2.5 مليون نسمة، وتقتيل الرضع والأطفال والنساء والرجال، لم يُقنع بعد أعضاء مجلس الأمن بفرض قرارات الأمم المتحدة بشأن إنشاء الدولة الفلسطينية بجانب دولة إسرائيل من أجل إحلال السلام أخيرًا بين هذين الشعبين. إن الألاعيب المتواصلة للقادة الصهاينة ومماطلة حلفائهم خدعت وكذبت على الفلسطينيين، إذ قرر الغرب أن يدفع عليهم فاتورة المحرقة التي ارتكبوها ضد اليهود، وللإشارة فأنهم دائماً ما كانوا يجدون في الماضي ملجأً واحترامًا بين المسلمين عندما اضطهدتم أوروبا، منذ حقبة محاكم التفتيش في القرون الوسطى.

 

وفي مواجهة المآسي الظالمة التي يتحملها الفلسطينيون، لا يمكن لأي مصلحة جيوسياسية أو اقتصادية أن تكون مشروعة.

 

في هذه المرحلة من الصراع، كان لا بد من مطالبة إسرائيل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوقيع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، إنه أقل الأشياء. وبخلاف ذلك، وإذا لم تقبل إسرائيل بهذا الحل، فيجب فرض حظر على الأسلحة عليها وعقوبات مالية وتجارية، كما اعتاد عليه المجتمع الدولي في تعامله مع الدول التي توصف بالمارقة، وكما نجح في فعله مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

 

بدلا من ذلك، ماذا لدينا في الواقع؟

 

تفويض رسمي وتشجيع عام في الغرب لإسرائيل بأن تذبح دون أي تمييز سكاناً محتجزين في غزة، التي أصبحت بعد أن كانت سجناً، مقبرة لشعب بأكمله. ويطالب السياسيون الصهاينة بترحيل السكان لإفساح المجال أمام المستوطنين. لم يطالبوا فقط بغرف الغاز لتصفية هذه “الحيوانات”، ولكن يبدو أنهم غير بعيدين تماما على ذلك!

 

ولم تجد الدول الأوروبية شيئا أفضل من التواطؤ في العقاب الجماعي ضد هؤلاء المدنيين الأبرياء من خلال المطالبة بتعليق جميع المساعدات الإنسانية للفلسطينيين لدعم الحكومة الإسرائيلية التي أمرت بحرمان 2.5 مليون من سكان غزة من الماء والغذاء والكهرباء! وهو ما يشكل بوضوح تواطؤاً مباشراً في جرائم ضد الإنسانية. ولم يتراجع الاتحاد الأوروبي عن قسوة هذا القرار إلا في هبَّة من التواضع الزائف، وذلك بفضل حكمة بعض أعضائه.

 

تبث وسائل الإعلام الغربية باستمرار الدعاية الصهيونية والمعادية للفلسطينيين، وتحول كل واحد منهم إلى إرهابي. إنهم ينشرون معلومات مضللة، ويكذبون بالإغفال، وينشرون الأكاذيب، مثل قطع الرأس الخيالي لأربعين طفل! إن رؤساء الدول الغربية ليس لديهم سوى كلمات التعاطف تجاه الجانب الذي يدعمونه ظاهرياً، متناسيين المآسي التي لا حصر لها للضحايا الحقيقيين الذين يتعرضون للإبادة الجماعية، ومحملين إياهم الخطأ فيما يحصل. لقد بكوا على الصور الكاذبة والتزموا الصمت في وجه المذبحة الحقيقية. الأطفال الإسرائيليون المزيفون مقطوعو الرأس يبررون موت الأطفال الفلسطينيين الحقيقيين! وبينما يزينون آثار عواصمهم بألوان الجلادين، ويلقون الخطب النارية، ويحشدون كل وسائلهم العسكرية لقتل المزيد من الأبرياء؛ هم يحظرون ويراقبون أي دعم للفلسطينيين، وأي كلمة تعاطف، وأي صورة للحقيقة.

.

وفي سياق هذا الجو السام، ألقى رئيس الولايات المتحدة خطابا، في 10 أكتوبر2023، تضمن عنفاَ لا يُصدق ضد الضعفاء، وضد أولئك الذين تعرضوا للسلب والتهميش ومن حُكم عليهم بالموت البطيء، لا لسبب إلا لأن أقوياء هذا العالم قد قرروا أن تسير الأمور بهذه الطريقة. الرئيس الأمريكي لم يوجه ولو كلمة واحدة من التعاطف، ولا حتى بطريقة دبلوماسية، لمآسي هؤلاء الملايين من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، الذين يعاقبون جماعيا والذين يتم تفجيرهم بأسلحة الفوسفور والتنجستن، رغم أنها محظورة. تفجيرات متواصلة ليل نهار ينفذها «المتحضرون» ضد «الحيوانات المتوحشة» بحسب المصطلحات الحكومية! إسرائيل هي دولة فوق القانون الدولي، وعشرات قرارات الأمم المتحدة هي مجرد مسَّاحات مراحيض بالنسبة إليها.

 

ومع ذلك، فإن العديد من اليهود الشرفاء يدركون البعد الفاشي والمتطرف، ولماذا لا نقول ببساطة البُعد النازي لحكومتهم، التي من الواضح أنه لا يمكن وصفها بأنها ديمقراطية.

 

في خضم هذه المأساة التي لا توصف، حيث يلجأ المسؤولون في بلدكم إلى التضامن العرقي والديني على حساب العدالة، لم أر لسوء الحظ أي رد فعل من منظمتكم ضد هذا الوضع. لا بيان صحفي ولا إعلان للتماشي مع مبادئكم المُعلنة. كما أن فهمي للديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والإنصاف يجعلني أهتم بمواقف الحكومات الغربية وعلى رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ولكل هذه الأسباب وغيرها، والتي سيطول ذكرها هنا، يؤسفني أن أخبركم أن ضميري يفرض عليّ أن أعفي نفسي من الجائزة التي منحتني إياها منظمتكم.

 

ولذلك سأكون ممتنًا لكم لو أوضحتم لي الطرق والوسائل التي يمكنني من خلالها إعادة الجائزة إليكم، والتي لم يعد بإمكاني قبول رمزيتها.

 

وآمل أن تتمكن منظمتكم في يوم من الأيام من إقناع صناع القرار في هذا العالم بتطبيق مبادئكم النبيلة المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة لجميع البشر، دون تفرقة أو عنصرية.

 

في انتظار أيام أحسن، تقبلوا فائق إحترامي،

 

سفيان جيلالي