ما هي تداعيات سقوط نظام الأسد على مستقبل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط؟

ما هي تداعيات سقوط نظام الأسد على مستقبل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط؟

Temps de lecture : 4 minutes

في مقال سابق، طرحت فرضية وجود صفقة بين القوى العالمية أدت إلى تغيير النظام في سوريا. الأحداث المتتابعة هناك تبدو وكأنها تؤكد هذا الطرح.

1- من بين الفصائل المختلفة المناهضة لنظام الأسد، كان هنالك الأكراد، والجماعات المرتبطة بداعش ذات التوجه السلفي الجهادي، وكذلك الجماعات المرتبطة أو المدعومة من تركيا ذات التوجه الإخواني.

الأخيرة، تحت رعاية تركيا، هي التي تسلمت السلطة.

2- تصرفات الحكام الجدد في سوريا حتى الآن تبدو تحت سيطرة تركيا. الخطاب الموجه يوحي بالتوحيد والبعد عن العنف. البيانات الأخيرة للسلطة الجديدة تقدم ضمانات ليس فقط لجميع موظفي الدولة، ولكن أيضاً للمجتمعات العرقية والدينية المختلفة، بما في ذلك العلويين. وأخيراً، تم إصدار توجيهات واضحة تؤكد على عدم استهداف النساء بغض النظر عن ملابسهن (أي لا توجد مطالب بارتداء الحجاب).

3- روسيا وإيران أعلنتا رسمياً أن لديهما قنوات تواصل مع السلطة الجديدة، التي يبدو أنها ملتزمة أيضاً بقبول الوجود الروسي في طرطوس وحميميم، أي المصالح الحيوية لروسيا في سوريا.

4- إسرائيل اجتاحت الأراضي السورية عبر احتلال جزء آخر من الجولان، وقصفت بشكل ممنهج المطارات والبنية التحتية العسكرية، ومخازن الذخيرة والأسلحة الدفاعية. هذا يعني أن إسرائيل لا تثق بالوافدين الجدد. هذا التصرف يُعد استفزازاً ضد الشعب السوري، والسلطة الجديدة، وتركيا، وروسيا. رد فعل غير عقلاني تماماً يزيد من انعدام الثقة تجاه الكيان الصهيوني. وقد أثار احتلال الجولان إدانات عامة، بما في ذلك من الدول التي لم تجرؤ على إدانة الإبادة الجماعية في غزة.

من خلال جمع البيانات المختلفة وربطها، يبدو أن صفقة قد عُقدت بين تركيا وروسيا وإيران (في الدوحة).

في الواقع، النظام العلوي كان يحتضر ولم يعد لديه الوسائل المادية (تم فرض الحصار عليه، ونهب موارده النفطية، وقُصف باستمرار من قبل إسرائيل) ولا البشرية للبقاء في وجه التمرد، والعداء الفعّال من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، والأهم من ذلك انعدام ثقة شعبه به. بشار الأسد نفسه استسلم. في محاولة أخيرة لإنقاذ نظامه، كان لديه ثلاثة خيارات محتملة:

أ- الدخول في صراع مسلح بمساعدة روسيا وإيران بالإضافة إلى الميليشيات العراقية واللبنانية.
ب- الرضوخ لشروط الولايات المتحدة وإسرائيل، التي نقلتها له الإمارات العربية المتحدة.
ج- التخلي عن القتال والانسحاب من المشهد مع ضمانات الحماية له ولعائلته، مع تجنيب سوريا حرباً دموية جديدة.

اختار بشار الأسد الحل الثالث.

بناءً على هذا، تم التفاوض على الصفقة. يبدو أن تركيا قدمت البديل الوحيد المتبقي: إما أن تدعمها روسيا وإيران، مما سيمكنها من السيطرة على سوريا مع ضمان مصالح روسيا وتجنب حمام دم، أو حرب شاملة بين الجميع، مع احتمال انتصار تحالف الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات، الذي كان سيُفرض من خلال السلفيين الجهاديين.

هذا يفسر الانسحاب المفاجئ وغير المفهوم لقوات محور روسيا-إيران-حزب الله دون أي قتال، وشل الجيش السوري من قِبل قيادته نفسها، ونقل السلطة عملياً دون أي مقاومة تُذكر.

هذا الوضع لم يكن إلا ليقلق إسرائيل لأنها لم تكن مسيطرة على هذا التغيير، ما يفسر رد فعلها العنيف.

من يكسب ومن يخسر؟

سوريا ستفقد إلى حد كبير سيادتها لكنها ستكسب اقتصادياً واجتماعياً. فتركيا تلتزم بضمان وحدتها، وبالتالي منع إنشاء دولة كردية غير مقبولة بالنسبة لها. إذا تم استعادة السلام، بدلاً من أن تكون ممزقة بين مصالح دول متعددة، ستعيد بناء نفسها تحت وصاية تركيا.

تركيا هي الرابح الأكبر في هذه اللعبة. الإمبراطورية العثمانية الجديدة تعود إلى الحياة. يتشكل المحور أذربيجان-تركيا-سوريا. الأكراد سيتخلون عن فكرة إقامة دولة مستقلة. وستستضيف تركيا، بالتعاون مع قطر، خط أنابيب الغاز الذي سيغذي أوروبا، مما سيجعل الأخيرة رهينة لتركيا من أجل إمدادات الطاقة.

أما روسيا، إذا احتفظت بطرطوس، فستُعفى من عبء سوريا بينما تحتفظ بمزاياها. المنافسة مع الغاز القطري ستكون أقل إثارة للقلق لأنها توجهت بالفعل نحو عملائها الآسيويين، الصين والهند. وستغذي أوروبا جزئياً عبر ألمانيا في نهاية الصراع في أوكرانيا، الذي سينتهي لصالحها.

إيران ستفقد منطقة نفوذ مهمة وستضطر إلى الانسحاب إلى المناطق الشيعية في العراق واليمن. من ناحية أخرى، ستتجنب هجوماً من حلف الناتو لأنها لن تمثل تهديداً مباشراً لإسرائيل. قد يتم رفع العقوبات الغربية بعد التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي.

حزب الله، على الأقل في الوقت الحالي وتكتيكياً، هو أحد الخاسرين، بانتظار تطور الوضع في إسرائيل.

إسرائيل، للوهلة الأولى، تبدو الفائز الأكبر بفضل القضاء على العائق السوري الذي كان مركزياً في محور المقاومة. ولكن استراتيجياً، قد يكون ذلك هزيمة. تواجه إسرائيل الآن وكيلاً للقوة التركية. علاوة على ذلك، لم تتمكن من القضاء على حزب الله في جنوب لبنان الذي سيظل تهديداً دائماً ويمكن أن يعاد تفعيله من قبل إيران في حال نشوب صراعات جديدة.

في الواقع، نتنياهو، في جنونه الحربي والمسياني، ذهب بعيداً جداً. بسببه، تعرضت صورة إسرائيل والولايات المتحدة لأضرار كبيرة أمام الرأي العام الدولي. تم انتهاك القانون الدولي وتشويهه بشكل خطير. أخلاقياً، لم يعد بإمكان إسرائيل استعادة موقفها كضحية أو الادعاء بقيادة الشرق الأوسط، خاصة وأن عجزها العسكري عن هزيمة حزب الله على الأرض رغم الدعم المتعدد الأشكال من الولايات المتحدة أفقدها دور الشرطي الإقليمي. ستبقى إسرائيل مع وصمة الدولة الاستعمارية والإبادية، ومن المحتمل ألا تتمكن من تحقيق اتفاقات أبراهام لفترة طويلة. ستتدهور ببطء ولكن بثبات لتصبح ملاذاً لليهود المتطرفين.

السعودية والإمارات فقدتا منطقة النفوذ هذه التي انتقلت إلى منافسهما السني التابع لجماعة الإخوان المسلمين. هذه نكسة لكلا البلدين.

الولايات المتحدة، في إطار سياسة ترامب، قد تنسحب من الشرق الأوسط للتركيز على تنافسها مع الصين. سيتم تأمين مصالحها في الشرق الأوسط من قبل تركيا وليس إسرائيل للأسباب المذكورة أعلاه.

أوروبا، من جانبها، ستجد نفسها خاسرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا. اقتصادياً، ستتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا. في الأيام والأسابيع القادمة، ستغير وسائل الإعلام الأوروبية خطابها وتصبح شديدة الانتقاد للنظام السوري الجديد الذي سيُوصف بأصوله الإرهابية الاسلاموية.

أخيراً، ستتم معالجة القضية الفلسطينية بشكل نهائي. سيتم التفاوض على الاعتراف بدولتها من قبل القوى العالمية الكبرى.

يبقى أن نعرف بشكل أكثر دقة طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. إلى أي مدى يمكن لتركيا أن تطمح إلى لعب دور القوة الإقليمية في مواجهة روسيا، ودول الخليج، وإيران، وبالأخص الثنائي الولايات المتحدة-إسرائيل، وهل تمتلك القدرات الاقتصادية الكافية لتحمل هذا الدور الجديد؟

إذا كانت هذه التحليلات صحيحة، وتم الحفاظ على هذا البناء التفاوضي، فإننا ندخل مرحلة تهدئة عامة، وستتضاءل مخاطر حرب عالمية ثالثة. في حال العكس، سندخل

في مرحلة من الفوضى العالمية التي قد تقودنا إلى صراع شامل!

 

سفيان جيلالي